مشاهد جديدة من القطاع في ظل تصاعد خروقات الاحتلال، واستمرار الأزمات والمشاكل التي تواجه النازحين، وتأزم الوضع الصحي والمعيشي في القطاع.
ومن المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يوثق تأزم الوضع الدوائي في القطاع، ومشهد آخر يرصد استمرار انخفاض أوزان المواليد الجدد، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "التلوث المرتفع ينهش أجساد الأطفال".

الوضع الدوائي يتأزم
شهد الوضع الدوائي في المشافي والصيدليات والمراكز الصحية في قطاع غزة تأزماً كبيراً في الأيام الماضية، وباتت المراكز الصحية تعاني نقصاً شديداً في العديد من أصناف الأدوية.
ووفق أحدث تصريح صدر عن وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن الأرصدة الصفرية من الأدوية والمستهلكات الطبية لا تزال تتخطى مستويات كارثية، موضحة أن 52% من قائمة الأدوية الأساسية، و71% من قوائم المستهلكات الطبية رصيدها صفر، و70% من المستهلكات المخبرية رصيدها صفر، وهذا يعتبر من أكبر وأخطر الأزمات التي تواجه الوزارة منذ بدء الحرب.
وأكدت الوزارة أن الأزمة تتخذ منحنيات تصاعدية مع زيادة احتياج التدخلات العلاجية للجرحى والمرضى.
وأوضحت أن الرعاية الأولية، والجراحة والعمليات والعناية المركزة، وكذلك أمراض السرطان والدم، من الخدمات التي تعاني نقصاً شديداً في قوائم الأدوية، كما أن أقسام جراحة العظام، والكلى والغسيل الكلوي، والعيون، والجراحة العامة والعمليات والعناية الفائقة، تواجه تحديات كارثية مع نقص المستهلكات الطبية.
وطالبت الوزارة بسرعة تعزيز الإمدادات الطبية العاجلة لتمكين عمل الطواقم الطبية في الأقسام التخصصية.
كما تعاني الصيدليات من نقص شديد في الأدوية، خاصة المضادات الحيوية، والمسكنات، والأدوية التي تستخدم لعلاج الأمراض النفسية.
من جهته أكد مدير عام مجمّع الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلّمية، أنّ النظام الصحي يواجه تحديات كبيرة منذ دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ، موضحًا أنّ القطاع لم يتلقَّ سوى نحو 10% من احتياجاته الطبية الأساسية، وأنّ منع الاحتلال دخول الأدوية يتسبب يوميًّا بفقدان مزيد من المرضى، وسط مخاوف متصاعدة من انتشار الفيروسات والأمراض المعدية بسبب نقص الإمدادات.
وأوضح أبو سلّمية أنّ نحو 350 ألف مريض يحتاجون إلى أدوية لعلاج أمراض مزمنة، في وقتٍ ترتفع فيه معدلات الإصابة بالربو جراء تراكم الركام الناجم عن الحرب.
كما كشف أبو سلمية عن وجود 22 ألف مريض بحاجة للعلاج خارج غزة، بينهم 18 ألفًا أتمّوا كل التجهيزات اللازمة للسفر، غير أنّ الحصار وإغلاق المعابر يعطّلان رحلاتهم العلاجية، لافتًا إلى وفاة ألف مريض نتيجة الحصار وإغلاق المعابر.

انخفاض أوزان المواليد الجدد
باتت ظاهرة ولادة أطفال بأوزان منخفضة، واحدة من الظواهر الدائمة في قطاع غزة، في ظل استمرار تبعات المجاعة، وما تعانيه الأمهات الحوامل من مشاكل واعباء ثقيلة.
ويُولد حوالي 130 طفلاً يومياً في جميع أنحاء غزة، أكثر من ربعهم يُولَدون بعمليات قيصرية، وآخرون يعانون تشوهات خلقية كبيرة، تهدد حياتهم، أو تلازمهم طوال أعمارهم.
ووفق مؤسسات صحية محلية ودولية، يُولد حوالي 1 من كل 5 أطفال ناقصي الوزن أو قبل الأوان بسبب الجوع الشديد، وسوء التغذية، والإرهاق، والحصار، ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة وتحديات في النمو، مع تزايد حالات الولادات المبكرة ونقص الوزن بشكل عام.
حالات الولادة الحديثة تكشف عمق المأساة إذ لا يتجاوز وزن كثير من المواليد 1.5–2 كغم مقارنة بـ 3–3.5 كغم قبل الحرب.
وإلى جانب نقص أوزان المواليد الجدد، أكد أطباء أن الأمراض الخُلقية تضاعفت لدى الأجنة، خاصة على مستوى تشوهات القلب النادرة والبنية الشكلية والأمراض الإنزيمية الاستقلابية، مؤكدا أن سوء التغذية ونقص الأدوية والتعرض للأبخرة والسموم، والتوتر النفسي للأمهات الحوامل كلها عوامل تؤثر في تكوين الجنين.
وأشار أطباء إلى اكتظاظ الأقسام المخصصة لحالات الولادات المبكرة، والأجنة منخفضي الوزن، ومن يعانون تشوهات خُلقية، إذ يحتضن أحد الأقسام -الذي تبلغ سعته 30 سريرا- نحو 140 طفلا، مما يضطرهم أحياناً إلى وضع طفلين على نفس السرير أو على الأرض في الممرات.
من جهتها قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" إن طفلا من كل 5 بقطاع غزة يُولد قبل أوانه أو وزنه ناقص، وذلك جراء التجويع الإسرائيلي الممنهج المستمر بحق الفلسطينيين منذ عامين.
وأوضحت المنظمة، أنها قدمت خلال الأسبوع الجاري مستلزمات النظافة الضرورية للمستشفيات والمراكز الصحية في مدينة غزة.
وأكدت أن الأطفال في قطاع غزة "يحتاجون الوصول إلى المزيد من خدمات التغذية والصحة المنقذة للحياة".
وطالبت المنظمة الأممية بإدخال مساعدات فورية واسعة النطاق للأطفال والرضّع والعائلات في قطاع غزة.

التلوث المرتفع ينهش أجساد الأطفال
يعيش غالبية سكان القطاع في مناطق شديدة التلوث، خاصة مع انسياب مياه الصرف الصحي في الشوارع، وبين الخيام، وانتشار النفايات الصلبة في كل مكان، وامتلاء الهواء بالدخان الملوث الناتج عن استمرار حرق الأخشاب والنفايات البلاستيكية في كل مكان بغرض طهي الطعام.
وانعكس هذا الأمر الممتد منذ عامين، على صحة المواطنين بشكل عام، وعلى الأطفال بشكل خاص، وظهرت آثاره من خلال استمرار انتشار الامراض والمشاكل المعوية، وارتفاع حاد في مشاكل التنفس والأمراض الصدرية، وتهديد بانتشار اكبر لفيروسات تهدد صحة وسلامة الأطفال.
وأكد المواطن عبد الرحمن حمدان أنه يعيش في بؤرة شديدة التلوث، فأينما سار في الشوارع، أو بين الخيام، وجد مياه الصرف الصحي تنساب، فحتى الأسواق باتت عبارة عن برك لمياه الصرف الصحي الملوثة، وروائح المياه العادمة تتسلل للخيام، بينما تملأ الحشرات خيام النازحين.
وبيّن أن كميات كبيرة من المياه العادمة تتسرب من خلال الحفر الامتصاصية إلى أعماق الأرض وتلوث المياه الجوفية التي يستخدمها المواطنون والنازحون لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي، وهذا كله تسبب في نشر الأمراض في صفوف النازحين، فغالبية الأطفال يعانون من مشاكل معوية، منها اصابتهم بالطفيليات الضارة، ونزلات معوية، والتهابات أمعاء، وأبناؤه من بين الذين يعانون، فلا يمر شهر دون أن يصطحب بعضهم لعيادات الرعاية الأولية، للعلاج من مشاكل معوية، ويتم في الغالب تكرار نفس العلاجات، إذ يشفى الطفل فترة ثم يعود ويمرض من جديد، لأن المسبب الرئيسي للمرض وهو التلوث مازال حاضراً، ولا يعرف إلى متى سيظل النازحون يعيشون وسط هذا التلوث الكبير.
بينما قال المواطن مصطفى طه إن التلوث الأخطر المنتشر في مناطق المواصي حالياً يتمثل في استمرار احراق نفايات بلاستيكية على نحو واسع، فالناس في المواصي لم يعد لديهم قدرة على شراء الحطب والخشب بأسعاره العالية، وغاز الطهي ما زال شحيحاً وغالبية العائلات لم تتسلم أي حصة منه، لذلك تحرق العائلات كل شيء، من مخلفات بلاستيكية، ونايلون، وجلد صناعي، وحتى أحذية تالفة، وكل ما يجده المواطنون يحرقونه، وهذا خلف سحابة من الدخان الملوث تغطي مناطق المواصي باستمرار، ونتيجتها أمراض ومشاكل صحية لا تنتهي، مثل الكحة، والسعال، وضيق التنفس، والربو، وبعض أفراد عائلته يعانون من هذه المشاكل، معرباً عن خشيته من انعكاسات ومشاكل هذه الأمور على المواطنين مستقبلاً، من خلال زيادة الإصابات بأمراض السرطان.
وشدد على ضرورة زيادة خدمات النظافة في مناطق المواصي، ورفع التوعية بين النازحين حول مخاطر حرق النفايات البلاستيكية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف