
- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2016-01-07
فؤاد محجوب
مراقبون: ترغب السعودية في دفع التوتر مع إيران إلى ذروة جديدة، بهدف استدراجها إلى ردّ فعل حاد تستطيع معه حشد الحلفاء الإقليميين والدوليين ضد تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة
أعلنت السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران رداً على إحراق سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، من قبل متظاهرين محتجّين على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر. وهو ما اعتبره وزير الخارجية السعودي عادل الجبير (3/1)، «انتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية»، لافتاً إلى أن «النظام الإيراني يحمل سجلاً طويلاً من الاعتداء على السفارات»، في إشارة إلى اعتداءات سابقة على السفارتين الأميركية والبريطانية في طهران.
وأوضح الجبير أنّ قطع السعودية للعلاقات مع طهران سيشمل وقف حركة الملاحة الجوية بين البلدين وإنهاء العلاقات التجارية ومنع مواطنيها من السفر إلى إيران. وأضاف أن على إيران أن تتصرف مثل «دولة طبيعية وليست ثورية»، وينبغي عليها احترام الأعراف الدولية قبل إعادة العلاقات.
وأعربت السعودية عن استنكارها ورفضها القاطع لما وصفته بـ «التصريحات العدوانية الصادرة عن النظام الإيراني»، وكانت استدعت السفير الإيراني وسلمته مذكرة احتجاج، ضد تصريحات زعماء ومسؤولين إيرانيين انتقدوا السعودية بحدّة، عقب تنفيذ السلطات السعودية (2/1)، حكم الإعدام في حق النمر. واعتبر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن السعودية ستواجه «النقمة الإلهية» جرّاء قيامها بهذا الإعدام.
توقيت حسّاس
وكانت الرياض عمدت إلى تنفيذ أكبر أحكام إعدام منذ العام 1980، حين أعدمت المملكة 63 شخصاً ممّن اقتحموا الحرم المكّي (1979)، بقيادة جهيمان العتيبي، في عملية هزّت البلاد آنئذٍ، وانتهت بتدخّل القوّات السعوديّة، ما أدّى إلى مقتل 127 جندياً و117 مسلحاً وعدد من المدنيين.
والمحكومون الذين أعدموا هم 47 شخصاً، 45 سعودياً ومصري وتشادي، كانت صدرت عليهم أحكام بالإعدام لتبنّيهم الفكر «التكفيري» المتطرف، والالتحاق «بمنظّمات إرهابيّة»، وتنفيذ «مؤامرات إجراميّة»، حسب قول السلطات السعودية.
ومن بين الذين أعدموا عددٌ من الشخصيّات البارزة في تنظيم «القاعدة»، ومنهم مدانون بالمسؤولية عن هجمات على مجمّعات غربية ومبانٍ حكوميّة وبعثات ديبلوماسيّة، أسفرت عن مقتل المئات في الفترة بين العامين 2003 و2006. ومن بين هؤلاء المدعو فارس آل شويل، الذي وصف بأنّه رجل دين متطرف في تنظيم «القاعدة»، وكان أوقف عام 2004. وهناك أيضاً أربعة من (الشيعة) بينهم الشيخ النمر، اتّهموا بإطلاق الرصاص على رجال الأمن خلال احتجاجات شهدتها المنطقة الشرقية عام 2011.
ومن أبرز التهم التي وجهت إلى النمر «إشعال الفتنة الطائفية»، و«الخروج على ولي الأمر»، فضلاً عن قيادة الاحتجاجات في المنطقة الشرقية، وكان حُكم عليه بالإعدام في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014.
تعميق الفرز والاستقطاب
وعلاوةً عن التوتر الشديد الذي خلّفه إعدام الشيخ النمر على العلاقات بين الرياض وطهران، فقد أدّت التطورات التي أعقبت ذلك إلى تعميق حالة الفرز والاستقطاب القائمة في المنطقة أصلاً، حيث أعلنت كل من البحرين والسودان عن قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع إيران. فيما استدعت الإمارات سفيرها في طهران وخفضت مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
وأدانت العديد من الدول العربية الأخرى (الكويت وقطر ومجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر وتونس...)، الهجوم على السفارة السعودية ورأت أنه يمثل «خرقا فادحاً لاتفاقيات فيينا (1961) للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية والمواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية ذات الصّلة».
ورأت تلك الدول أنّ تصريحات المسؤولين الإيرانيين «شجّعت الاعتداء على البعثات السعودية». كما أعربت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي عن شجبها للاعتداءات على السفارة والقنصلية السعوديتين، مؤكدة دعمها «لجهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف».
وفي المقابل، دان المرجع الشيعي علي السيستاني إعدام النمر، واعتبره «مصاباً جللاً»، فيما أعربت الخارجية العراقية عن «استنكارها وشجبها». ونظمت تظاهرات في بغداد وكربلاء والكويت بمشاركة مسؤولين ورجال دين، وشهدت هجوماً عنيفاً على السعودية، ومطالبات بغلق سفارتها.
كما اعتبر الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله أن إعدام النمر «ليس حادثة يمكن العبور عنها»، متوعداً المملكة بعبارات شديدة اللهجة.
تداعيات محتملة
ورأى مراقبون أنّ تجاهل المناشدات الدولية بشأن هذه القضية، والإصرار على تنفيذ حكم الإعدام بحق النمر على رغم التداعيات المحتملة لهذه الخطوة، التي أتت في توقيت داخلي وإقليمي ودولي في غاية الحساسيّة، أثار تساؤلات تجاوزت المشهد السعودي، وامتدّت لتصل إلى مخاوف من أن تندفع الأمور نحو تفاقم أكثر حدّة للصراع المذهبي الناشب في المنطقة.
كما لاحظ المراقبون أنّ توقيت الإعدام جاء في وقت يحذر فيه كثير من الخبراء من التداعيات المحتملة للأزمة الاقتصادية التي تشهدها السعودية والناجمة عن تراجع الواردات، في ظل انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ولفت بعضهم إلى أن قرار الإعدام حمل الكثير من الرسائل: بعضها داخلي؛ وهو التشدد إزاء أي تحرّك شعبي محتمل في ظل إرهاصات الأزمة الاقتصادية، وبعضها خارجي؛ وهو إسقاط الرهانات (وخاصة الإيرانية) على «تردّد» السياسة الخارجية والداخلية السعودية، منوّهين إلى أنّ السياسة السعودية تخلّت عن سمتها التقليدية المحافظة، وأضحت أكثر «هجومية» في عهد الملك سلمان، ولا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران.
ولأن الأمر كذلك، فان ارتدادات الإعدام المحتملة قد تصل إلى ساحات الصراع اليمنية والسورية والعراقية وقد يمتدّ بعضها الى داخل الخليج. كما أنّ ثمة ملفات كثيرة في المنطقة، وبينها الرئاسة اللبنانية، مرشحة لمزيد من التدهور، ما لم يكثّف الروس والأميركيون جهودهم لاحتواء الأخطار المرتقبة، وهم على الأرجح سيفعلون ذلك، إذ سارعت موسكو إلى طرح وساطتها بين الرياض وطهران .
وذهب البعض إلى أنّ السعودية ترغب، من خلال ما قامت به، في دفع التوتر مع إيران إلى ذروة جديدة، لاحت بوادرها مع إعلان قطع العلاقات الديبلوماسية، وذلك بهدف استدراج «الجار اللدود» إلى ردّ فعل حاد تستطيع معه حشد الحلفاء الإقليميين والدوليين ضد «التدخل الفارسي في الشؤون الداخلية» لدول المنطقة، (فالشيخ النمر هو مواطن سعودي في النهاية، ولا وصاية لدولة أخرى عليه، كما يقول الإعلام الموالي للرياض)، وخصوصاً في ظل المعارك الإقليمية المشتعلة، والتي تحوّلت منذ فترة الى حرب بالوكالة مع إيران، لا سيما في اليمن وسوريا والعراق.
مجلس الأمن يدين الاعتداءات على البعثات السعودية في إيران
دان مجلس الأمن الدولي (4/1)، «بأقصى حزم ممكن الاعتداءات» على البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين في طهران ومشهد.
وأعرب المجلس في بيان عن «قلقه العميق أمام هذه الاعتداءات» وطلب من طهران «حماية المنشآت الدبلوماسية والقنصلية وطواقمها»، وكذلك «الاحترام الكلي لالتزاماتها الدولية في هذا الخصوص». ولم يشر البيان الذي تبنّاه المجلس بإجماع أعضائه الـ15 إلى إعدام رجل الدين الشيعي المعارض. ودعا المجلس جميع الأطراف إلى «اعتماد الحوار واتخاذ إجراءات لتخفيف التوتر في المنطقة».
وقال السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي إن بلاده ستعيد العلاقات الدبلوماسية مع إيران عندما تتوقف طهران عن التدخل في شؤون الدول الأخرى. وأضاف أنّ قطع العلاقات بين البلدين «لن يؤثر على مساعي المملكة لإحلال السلام في سوريا واليمن».
واشنطن وبروكسل تحذران من تأجيج التوتر الطائفي
دعت واشنطن الحكومة السعودية لـ«احترام وحماية حقوق الإنسان وضمان توافر الاجراءات القضائية العادلة والشفافة..». كما دعت الرياض إلى «السماح للمعارضين بالتعبير عن أصواتهم بشكل سلمي». وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي (3/1)، أن واشنطن أبدت من قبل قلقها بشأن النظام القضائي السعودي وأنها أثارت هذه المخاوف على مستويات عالية مع الحكومة السعودية.
وأعرب كيربي عن القلق الأميركي من أن يؤدي إعدام رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر إلى «مفاقمة التوترات الطائفية في وقت تلحّ الحاجة لتقليصها»، مؤكداً على ضرورة أن «يضاعف الزعماء في كل أرجاء المنطقة جهودهم بهدف وقف تصعيد التوترات الاقليمية».
كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن «قلق بالغ» بعد إعدام النمر، معبراً عن مخاوف مماثلة بشأن «تأجيج التوترات المذهبية وتهديد الاستقرار في المنطقة».
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد فيديريكا موغيريني في بيان إن «الحالة الخاصة للشيخ النمر تثير قلقا بالغا حيال حرية التعبير واحترام الحقوق المدنية والسياسية الأساسية والتي ينبغي أن تصان في كل الحالات، بما في ذلك إطار مكافحة الإرهاب».
كما أعربت ألمانيا وفرنسا عن رفضهما لعقوبة الإعدام، وحذرتا من «خطر التصعيد». وطالبت الخارجية الفرنسية المسؤولين في المنطقة بـ «بذل كل الجهود لتفادي تأجيج التوتر الطائفي والديني»، فيما أعربت ألمانيا عن قلق «حيال توتر متصاعد في المنطقة».