معبر رفح نافذة للقطاع كي يتنفس منها الغزيون وليس ميدانا للصراع على النفوذ
رأى المراقبون في مبادرة القوى والفصائل الفلسطينية بشأن معبر رفح مشروع حل واقعي يضمن إعادة تشغيله في حال قبل به طرفا الانقسام وعملا بشكل جدي ومسؤول على تنفيذه.
وكالعادة، ينشأ تفاؤل حذر مع كل مبادرة تقدم لحل إحدى المعضلات الفلسطينية الكثيرة. وإلى جانب هذا التفاؤل يضع الفلسطينيون أيديهم على قلوبهم خوفا من أن يتحول الخلاف حول المبادرة إلى عنوان فرعي جديد للانقسام، الذي تحاول الجهود الوطنية المخلصة تفكيك ألغامه واحدا تلو الآخر بعد اصطدام الحلول الشاملة للأزمات الفلسطينية بجدار السياسات التي أدت إلى نشوئها.
وما بين التفاؤل الحذر والخوف من الفشل يتابع الرأي العام الفلسطيني مستقبل هذه المبادرة على أمل نجاحها، وإقفال ملف إحدى الأزمات الفلسطينية التي جاء بها الانقسام.
قطعت المبادرة خطوة هامة إلى الأمام مع نيلها قبول الحكومة الفلسطينية التي شكلت لجنة وزارية لبحث تطبيقها خلال زيارة تقوم بها إلى قطاع غزة في حال أعلنت حركة حماس الموافقة على المبادرة؛ التي تحيل مرجعية إدارة حركة المعبر والإشراف عليه إلى الحكومة مع الأخذ بنظر الاعتبار وضع العاملين به حاليا والذين تم تعيينهم من قبل حركة حماس بعد سيطرتها على القطاع قبل نحو ثماني سنوات.
يتبقى للمبادرة كي تأخذ طريقها نحو البحث والاتفاق على آليات التطبيق إلى موافقة مبدئية من حركة حماس وهو ما لم يحصل حتى اللحظة. وجاءت ردات فعل الحركة تجاه المبادرة على شكل ملاحظات واقتراحات مقابلة، ربطت بين ملف المعبر وغيره من القضايا العالقة بينها وبين حركة فتح وتم تظهيرها من خلال السجالات التي اشتعلت بينهما إثر توقف «اتفاق الشاطئ» عند حدود تشكيل حكومة التوافق.. لا أكثر.
بعض اقتراحات حركة حماس حول المبادرة يتناول مرجعية إدارة المعبر وإحالتها إلى «لجنة فصائلية» وهذا ينسف أحد أهم أسس المبادرة التي تسعى إلى ضمان استمرار عمل المعبر وفق أسس وقواعد وقوانين واضحة تبحث بشكل رسمي بين الجانبين الفلسطيني والمصري، بما يضمن مصالح الجانبين.
المشكلة الأساسية التي تعرقل وضع مشاكل وأزمات قطاع غزة على سكة الحل، أنه يقع ضحية سياستين تتعامل إحداهما معه كعبء لا ترغب في تحمل مسؤولية الأوضاع المعقدة التي تفاقمت فيه خلال الفترة الماضية في ظل التحديات والاستحقاقات التي ولدتها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وإجراءات الحصار التي يتعرض لها. فالقطاع بقواه وفصائله وأجنحتها العسكرية وأزماته الاقتصادية والمعاشية تصدرت المشهد الفلسطيني والإقليمي في محطات عدة، وسمح واقع الانقسام للعديد من الجهات الإقليمية والدولية لأن تبني مسارا فرعيا خاصا بالتعامل مع الحالة الفلسطينية بالتجزئة، وباتت لها سياستان تجاه كل من رام الله وغزة بهدف إبقاء الشلل الذي يمنع الحالة الفلسطينية العامة من المبادرة والتحرك بفعالية.
هذه السياسة تتهرب بالأساس من الخيارات المفتوحة في مواجهة الاحتلال كما يكفلها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بما فيها المقاومة بجميع الأشكال المتاحة، وتحمل مسؤولية الواقع الفلسطينية برمته بما فيه الأوضاع في قطاع غزة يتطلب في الأساس إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري والذي يتم تغييبه من خلال التمسك بخيار المفاوضات العقيمة خيارا وحيدا، وهي سياسة ألحقت وما تزال الضرر بالعمل الوطني الفلسطيني برمته وانعكست سلبا على الحالة الفلسطينية العامة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
السياسة الأخرى التي يقع ضحيتها قطاع غزة هي في التعامل معه كجغرافيا للسيطرة والحكم؛ دون الالتفات إلى معالجة المشاكل الجوهرية التي يعانيها القطاع وأهله. ووفق هذه السياسة تم تحويل القطاع إلى تطبيق عملي لواقع الانقسام؛ وبات مبدأ الشراكة السياسية في إدارة شؤون القطاع خارج التداول العملي؛ مع التقدير للدور الميداني والسياسي للقوى والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة؛ والتي استطاعت في محطات كثيرة أن تفرض الشراكة كما حصل في مواجهة العدوان الإسرائيلي العام 2014، والاستحقاقات التي فرضتها هذه المواجهة بتشكيل وفد فلسطيني موحد للبحث في التهدئة.
ولاحظ المراقبون أنه بفعل هذه السياسة بقيت معالجة مشاكل القطاع خارج الحل بعدما تحول «اتفاق الشاطئ» إلى موضوع للسجال بين حركتي فتح وحماس على خلفية ملف موظفي حركة حماس؛ وبسبب ذلك تعطلت حلول كثيرة كان من المفترض أن تقوم بها حكومة التوافق للتخفيف من الأعباء والإشكالات التي يعانيها القطاع.
ويمتد الأمر إلى موضوعة المبادرة الجديدة حول إعادة تشغيل معبر رفح، والذي يكفل تطبيقها حل مشاكل عشرات آلاف الغزيين العالقين في القطاع. والأهم من كل ذلك، أن انفتاح كل من حركتي فتح وحماس على المبادرة يفتح الطريق فعليا على إطلاق صافرة البدء في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وقد انطلقت هذه المبادرة في صيغتها وبنودها من الحرص على تقريب وجهات النظر بين طرفي الانقسام ضمن حدود تظهير المصلحة الوطنية العليا. والتعامل الإيجابي مع هذه المبادرة وتمكينها من التقدم، يبدأ بالأساس من تجاوز الحسابات الخاصة والخندقة الجهوية، والنظر إليها من زاوية ما يحققه تنفيذها من مصلحة لأهالي قطاع غزة وما يعكسه ذلك إيجابا على الحالة الفلسطينية برمتها.
هذا بالضبط مربط الفرس؛ الذي تم تجاهله خلال السنوات التي أعقبت الانقسام وأدت إلى استمراره وتفاقم تداعياته. وفي حال استمر هذا التجاهل فإن معاناة أهل قطاع غزة ستبقى مفتوحة على المزيد من المآسي والويلات. فالمعبر نافذة للقطاع كي يتنفس منها وليس ميدانا للصراع على النفوذ.
المؤسف في حال تم تجاهل المبادرة والمناورة حولها، أنه يحدث في وقت يستفرد فيه الاحتلال بشبان الانتفاضة مع غياب الإجماع الوطني على دعمها وحمايتها وتطويرها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف