في الآونة الاخيرة أصبحت أرغب أن أكون يهوديا في المنفى. مثلما في الكاريكاتور، أنا مستعد لأن يكون شارب وأنف طويل. فهذا لا يزعجني، لا يهمني أن يلاحظوا يهوديتي في الشارع. فأنا لا أخفيها بل أتفاخر بها. إنها أكثر من ظهر مُنحني وأنف مُنحني. يهوديتي هي يهودية آينشتاين وفرويد وكافكا. لا يهمني أن ينظروا إلي بشكل متعوج ويقولون إنني منغلق. أنا أقول العكس، أريد الاندماج وأريد التأثير والتأثر.
أريد أن أكون يهوديا في المنفى، مثل اولئك الذين سخرنا منهم في حصة الأدب والتاريخ. ومن اجل أن أكون يهوديا كهذا، أنا مستعد للتنازل عن الوقفة المستقيمة القومية الخاصة بي. فما الذي يعطيه هذا اليهودي في المنفى؟ لا شيء. الظهر القومي المستقيم لم يعد اختراعا كبيرا. يهودي المنفى بحث هنا ذات مرة عن الأمن والثقة بالنفس. الأمن يوجد في المكان الذي لا يعدون فيه بالعيش الى الأبد على السيف. والثقة بالنفس هي مسألة يقدر على ترتيبها بنفسه. إنه يتفاخر بالتعليم العالي والثقافة والتربية، ويفضل نظام معادٍ منفتح على نظام يهودي منغلق.
يعيش أقل من نصف يهود العالم الآن في دولة اليهود. بعد الكارثة كانت اسرائيل ملجأ للاجئين الذين بحثوا عن مكان آخر. وبعد أن قامت، أنهت الدولة دورها كمستوعبة للاجئين. لماذا لا يأتي أحفادهم الى هنا؟ رغم اللاسامية في اوروبا والاصولية في امريكا، لا يأتون. إنهم لا يأتون لأنه لا يمكن اقتراح شيء عليهم لا يوجد في بلادهم. لا الحرية الدينية ولا الأمن الاقتصادي ولا التعليم ولا الثقافة. لا قدوة للأغيار ولا قدوة لليهود.
يمكننا أن نقترح عليهم علم ونشيد وطني. لكن العلم والنشيد لم يعودا مهمين بالنسبة لهم. العلم والنشيد عندنا لم يعودا يمثلان الصلة اليهودية الخاصة بهم مع اسرائيليتنا. فاسرائيليتنا تغيرت، أصبحت الآن دينية، قومية متطرفة وفظيعة. لقد أبعدت اليهودية في المنفى اليهودية المعتدلة. يهودية بن غفير طردت يهودية اينشتاين.
بدل الانفتاح والتنور نحن نقترح على يهود المنفى قبة حديدية وجدار أمني. ونقول لهم يكفيكم هذا. ستعيشون مع هذا الى الأبد، ومن يبحث عن جوهر ومعنى للحياة فليذهب الى برلين وليسكن في نيويورك. فهنا كل شيء محجوز. محجوز بقوة العضلات. القوة تملأ كل شيء، لا يوجد ملليمتر واحد فارغ في المخازن. إنها مملوءة بالطائرات والغواصات والصواريخ. لا مكان لتقبل الآخر، والثقافة والانفتاح. ومن يتحدث عن الثقافة والانفتاح يُغضبنا. الانفتاح والثقافة هي أمور نخبوية، يسارية وخائنة.
توجد لنا قوة، لكن القوة لا تأتي وحدها حيث يرافقها التعالي والعنصرية. اسرائيليتنا الآن عنيفة، متعالية وعنصرية. العنف والعنصرية لا يميزان الأهداف. اليوم هما ضدي وغدا ضدك. يهودي المنفى، كما في الكاريكاتورات، لا يعرف كيف تؤكل العنصرية والتعالي – عندما كان لاجئا لاحقته هذه الاشياء.
"من يعطيني لأعود من جديد/ يهودي منفي/ لا يحتاج الى السيف والنار"، كتب نتان زاخ. فقالوا له: بدون السيف والنار إذهب للعيش في سويسرا. نحن في غابة. وفي الغابة تصرف كما في الغابة. حياتنا في الغابة لم تعد تُغري اليهودي في المنفى. فلا يوجد فيها سحر. قد يُغريه تفوقنا الاخلاقي على الحيوانات المفترسة؟ لا. لم تعد تُغريه. لقد فقدنا في الغابة تفوقنا الاخلاقي.
خط مستقيم يصل بين قتل الأسير من خط 300 وبين اجراء "هنيبعل" في "الجرف الصامد" وقتل الارهابيين الآن دون محاكمة. تعودنا. فبعد عشر سنوات سنعلقهم في ساحة "البيما". لقد تزعزعنا من خط 300، واجراء "هنيبعل" قبلناه بتفهم، وقتل المخربين بدون محاكمة نصفق له. فقط اقتلوهم بهدوء، بدون تصوير وبدون "نحطم الصمت". نحن نريد انهاء الأمر بسرعة.
يجب على يهودي المنفى أن يعتاد على الاسرائيلي الجديد. وهناك امور لا يفهمها لديه. لا يفهم لماذا يعتبرون بولارد، الذي خان وطنه، بطلا قوميا؟ لا يفهم لماذا يعتبرون اليهود الذين أيدوا السود في امريكا وجنوب افريقيا، خونة؟ لا يفهم لماذا يكرهون اللاجئين هنا – هو نفسه كان لاجئا؟ لماذا يعارضون الحقوق التي هو نفسه أيدها؟ أما الامر الذي يفهمه فهو أننا نكره السود ونحب مارين لوبين. وللأسف أنها لا تُحبنا. هذا يفطر القلب. ومع ذلك نقوم باقناعه ونقول له: نحن وهي قريبين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف