- تصنيف المقال : دراسات
- تاريخ المقال : 2013-05-30
حذرت دراسة تحليلية قدمها باحثان أميركيان بارزان، من خطورة الأوضاع في الأردن مع تنامي التطرف وتصاعد الأزمة السورية واستمرار الانهيار الاقتصادي، وعدم تقديم إصلاحات حقيقية يطالب بها الشعب.
وقالت الدراسة، إنّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يواجه مجموعة من التحديات الخارجية والداخلية المتزايدة، وهي قد تضطره إما للتنازل عن العرش أو إسقاطه أو قيام نظام ملكي معدّل بشكل جذري، أو زوال الملكية وتحولها إلى نظام حكم مناهض للغرب وهذا قد يؤدي إلى سياسات أردنية معادية لمصالح الولايات المتحدة.
وجاء التحذير من خلال التحليل الذي كتبه روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن وديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، الذي لم يصدر عليه أي رد فعل رسمي أردني، إذ أن تناقله تم على مستوى ضيق، كما نشرت ترجمة له في بعض المواقع الالكترونية.
التحليل حول الأوضاع السياسية في الأردن، جاء موسعاً، قال فيه الباحثان إن هناك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، تهدد استقرار المملكة التي نجت حتى الآن من العاصفة السياسية التي اجتاحت دولاً كثيرة في الشرق الأوسط منذ أواخر عام 2010.
سيناريوهات خطيرة
وفي التحليل، رسم المحللان الاستراتيجيان سيناريوهات خطيرة لكنهما قالا إنه إذا تم اتخاذ خطوات حكيمة الآن، فمن الممكن تجنب اهتزاز الاستقرار الذي ربما ينتج عنه نظام معادٍ للولايات المتحدة الأميركية والغرب.
وختم المحللان الاميركيان دراستهما بمجموعة من الوصفات والحلول الحاسمة، لما يواجه الأردن الحليف للولايات المتحدة. وطالبا باتخاذ بعض الخطوات لمواجهة احتمالية بروز تهديد رئيسي حيث تصبح المصالح الأميركية على المحك.
نص التحليل
نجت الأردن حتى الآن من العاصفة السياسية التي اجتاحت دولاً كثيرة في الشرق الأوسط منذ أواخر عام 2010. ومع ذلك فمن الممكن أن تتحول العديد من التحديات التي تطفو الآن على السطح إلى تهديدات خطيرة تعصف باستقرار المملكة الهاشمية. فمع كون الثقافة السياسية الأردنية — المعتدلة وغير المؤدلجة والمناوئة للثورات — عاملاً مخففاً قوي التأثير، إلا أن مخاطر عدم الاستقرار الداخلي الحالي هي أكبر من أي وقت مضى منذ عامي 1970 و1971 التي شهدت خلالها البلاد أحداثاً دموية.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فثمة تغيير سياسي ممنهج يأتي نتيجة لوضع عدم الاستقرار — والذي ربما ينتج عنه على سبيل المثال تنازل الملك عبد الله أو إسقاطه أو قيام نظام ملكي معدل بشكل جذري أو زوال الملكية وتحولها إلى نظام حكم مناهض للغرب — قد يؤدي إلى سياسات أردنية معادية لمصالح الولايات المتحدة.
وفي ضوء التوجه الاستراتيجي للأردن الداعم للغرب والتزامها بالسلام مع إسرائيل والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والأمن، فإن للولايات المتحدة مصلحة قوية في مساعدة عمَّان على إدارة التغيير الذي من المحتمل أن يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد. كما أن حالة عدم الاستقرار في الأردن ليست بأي حال من الأحوال أمراً حتمياً، وأنه إذا ما تم الآن اتخاذ خطوات حكيمة فمن الممكن منع حدوث تطورات غير مرغوب فيها.
الاحتمالات
يواجه الملك عبد الله مجموعة من التحديات الخارجية والداخلية المتزايدة. وتتمحور المصادر الخارجية الرئيسية لعدم الاستقرار في الآثار غير المباشرة للحرب الأهلية الدائرة على الأراضي السورية، والتي من بينها احتمالية التورط في اشتباكات عسكرية على المناطق الحدودية، وظهور التطرف السلفي، والتكلفة الباهظة للأعداد الكبيرة والمتزايدة للاجئين، والتدخل الممكن للحركات الإسلامية من الدول الإقليمية الأخرى داخل الأردن. وتشمل المصادر الداخلية لعدم الاستقرار ارتفاع السخط الشعبي الناتج عن إجراءات تقشف اقتصادية، وإصلاحات سياسية غير كافية إلى جانب التسامح الحكومي المتصور تجاه الفساد فضلاً عن الثقة المتنامية في جماعة «الإخوان المسلمين» في البلاد والحركة السلفية الصاعدة. وفي الوقت الذي تشكل فيه التهديدات الخارجية تحديات كبيرة للنظام، إلا أن الخطر الأكبر هو عندما تتبلور هذه التهديدات أو تزيد من حدة عدم الاستقرار الداخلي. وفي ما يلي ثلاثة سيناريوهات هي الأكثر توقعاً في هذا الصدد: اندلاع انتفاضة في عمَّان على غرار "ميدان التحرير"، [تحويل البلاد إلى] مسرح للضغط الممارس من قبل الإسلاميين على النظام الملكي، وحدوث انشقاق في قاعدة الدعم الأساسية للنظام في الضفة الشرقية.
"ميدان التحرير" في عمان
تحولت حالة الإحباط المتزامنة مع الإصلاح السياسي البطيء إلى مظاهرات حاشدة لا يستطيع النظام احتواءها دون اللجوء إلى مستويات غير معهودة من استخدام القوة ضد المواطنين العزل في أغلب الأحوال. وتشمل المثيرات المحتملة الغضب الشعبي من عملية الإصلاح التي تسير بخطى بطيئة، أو حالة الاستياء من حكومة مليئة بنخب حاكمة فاسدة، أو المشهد العام الفظيع بصفة خاصة من فساد ... يذهب دون عقاب.
وهذا السيناريو يتصور تزايد المظاهرات التي يحركها التآكل التدريجي والمطرد للدعم الذي يتلقاه الملك وربما النظام الملكي نفسه. وقد غطى المشاركون مساحة كبيرة من النشطاء في الأردن (نفسهم شريحة صغيرة من إجمالي عدد السكان) ومن بينهم: الفلسطينيون غير الممثلين بشكل جيد، والإسلاميون الذين عانوا طويلاً، وربما أردنيو الضفة الشرقية ذوو الأصول القبلية الذين فقدوا الثقة في القدرة على تحسين الاقتصاد، الحكم بشفافية، أو تقديم الرعاية على المستويات التقليدية. وتحت ضغط عدم استخدام القوة واقتسام العديد من المظالم المماثلة، قد ينهار الجهاز الأمني. وقد تكون النتيجة هي قبول النظام للتغيير السياسي الجذري (على سبيل المثال قيام ملكية دستورية على النمط الأوروبي)، أو تنازل الملك عن العرش، أو إسقاط الملكية وتأسيس الجمهورية.
إلا أن احتمالية حدوث هذا السيناريو تبدو ضئيلة لأن غياب الإصلاح السياسي هو ليس الشكوى الرئيسية في الأردن ولا هو الذي يوحد المعارضة. فالسخط الشعبي لا يركز فقط بشكل أكبر على الاقتصاد الهش وفكرة انتشار الفساد، ولكن الإصلاح السياسي يسلط الضوء على العداء المتجذر بين أردنيي الضفة الشرقية والفلسطينيين. وعلى أي حال، فإن الإصلاح الحقيقي — بمعني التمثيل الديموغرافي العادل في الانتخابات الوطنية — سيضعف من الدور المميز لأردنيي الضفة الشرقية بما في ذلك حالة الأجهزة الأمنية المؤلفة بصورة مكثفة من القبائل في الأردن، فضلاً عن التمكين السياسي للأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية. ومن غير المرجح أن يؤدي غياب الإصلاح السياسي وحده إلى قيام معارضة كبيرة مناهضة للنظام.
مسرح للضغط الممارس من قبل الإسلاميين
في أكثر السيناريوهات اعتدالاً، وبعد عقود من العلاقة التي تبدو غير واضحة مع النظام، تستفيد الحركة الإسلامية الأردنية من النجاحات الإسلامية في البلدان المجاورة للأردن لتتحدى بشكل مباشر النظام الملكي الهاشمي بهدف تحويل الأردن إلى دولة إسلامية إيديولوجية. وتندلع احتجاجات واسعة في عمَّان والزرقاء وإربد وغيرها من المناطق التي توجد فيها تجمعات كبيرة من الفلسطينيين، الذين يُعتبرون قاعدة الدعم الرئيسية للحركة الإسلامية في الأردن. ومن الصعب إخماد الاشتباكات مع قوات الأمن دون وقوع خسائر كبيرة في الأرواح وجذب مقاتلين أجانب إلى الأردن من سوريا ومصر والعراق، الأمر الذي يؤدي إلى قيام صراع من أجل بقاء النظام.
وسوف تتحدد طموحات الإسلاميين في الأردن في الغالب من الأحداث خارج البلاد، لاسيما مدى اضطلاعهم — وخاصة الجهاديين من بينهم — بأدوار بارزة في مرحلة ما بعد الأسد في سوريا؛ وإمكانية تفوق «حماس» على «فتح» وصيرورتها اللاعب الرئيسي في السياسات الفلسطينية؛ وما إذا كانت قيادة «الإخوان» في مصر الممولة مالياً من قطر تنظر إلى الأردن على أنها مدخل لتوسيع نفوذها الإقليمي.
ومن غير المحتمل أن ينتج عن أي من هذه التطورات حالة إسلامية في الأردن، بيد أن حَدَثيْن منها قد يكونا كافيين لإقناع الإسلاميين المحليين باستعراض قوتهم، والأحداث الثلاثة — نشوب "عاصفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى" — قد تؤدي إلى قيام نسخة إسلامية من جهود الناصريين/البعثيين لقلب نظام الحكم في الأردن في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وإذا كان لهذا أن يحدث، فمن المحتمل أن يرد الملك عبد الله بمحاولة تلميع أوراق اعتماده الإسلامية، لاسيما وراثة الهاشميين للنبي محمد. ومع ذلك، سيعتمد الملك في النهاية على جهازه الأمني مع استثارة المخاوف من سيطرة الفلسطينيين على الأردن من أجل الحصول على دعم أردنيي الضفة الشرقية.
إن الجهود المنسقة لتقويض سلطات الملك من جانب الإسلاميين في القاهرة ودمشق ورام الله بالتعاون مع جماعة «الإخوان المسلمين» المحلية والسلفيين الأكثر تطرفاً، قد تشكل تهديداً كبيراً؛ إلا أن العوامل التي تحول دون نجاحها تكمن في الانقسامات الأيديولوجية والانشقاقات العرقية (أي الفلسطينيون مقابل أردنيي الضفة الشرقية) داخل جماعة «الإخوان» فضلاً عن الواقع المتمثل بأن الأجهزة الأمنية القائمة على القبائل الأردنية من المرجح أن ترقى إلى مستوى المسؤولية، على افتراض أنها واثقة من الإرادة السياسية للملك ونظامه.
العيوب الأساسية في الضفة الشرقية
على مدى عقود، ركز المحللون على العدد الكبير من السكان الفلسطينيين في الأردن كالمصدر الأكثر ترجيحاً لعدم استقرار النظام. وعلى الأقل، منذ أن قمع الجيش الأردني تمرداً فلسطينياً كانت تدعمه سوريا في عامي 1970 -1971، ظل السكان الفلسطينيون الأردنيون بصفة عامة في هدوء. إلا أن انتقال كتلة حاسمة من هذا السخط والاستياء بين مؤيديه التقليديين في الضفة الشرقية — أولئك الذين يعيشون في وسط المدن الموجودة في شرق الأردن أو بالقرب منها (على سبيل المثال، معان، الكرك، الطفيلة) والذين يوفرون القوى البشرية اللازمة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية في الأردن — سيكون أكثر خطورة بالنسبة للنظام. ومؤخراً، بدأت هذه المعارضة في الظهور بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، والإحساس بالغربة من الطبقة التي اغتنت حديثاً في عمَّان، والغضب من عدم اكتراث النظام على ما يبدو للمظالم القبلية، والاستياء مما يُنظر إليه على أنه فساد بموافقة ملكية. وفي ضوء وجود الانعزاليين بين العديد من أردنيي الضفة الشرقية، فإن تورط الأردن الذي يزداد يوماً بعد يوم في سوريا — بما في ذلك التقارير التي تفيد بأنها تسمح للطائرات الإسرائيلية بدون طيار بالتحليق فوق أراضيها وترحيبها بنشر قوات أميركية — قد يكون سبباً في تغذية الاحتجاجات أيضاً. وقد تضامنت المعارضة القائمة على القبلية حول منظمة سياسية تدعى "الحِراك"، التي نظمت احتجاجات مستمرة في شوارع مدن الضفة الشرقية وكذلك في العاصمة.
في هذا السيناريو، سينتشر الغضب العارم في الضفة الشرقية ويتحول إلى معارضة شاملة للنظام نتيجة لحدث يسيء للحساسيات القبلية ويغذي فكرة أن النظام قد أخل بعهده مع أنصاره في الضفة الشرقية. وقد يشمل ذلك استهداف أعضاء من "الحِراك" خلال قيام احتجاجات في الشوارع أو قتلهم أثناء وجودهم في المعتقل وتأجيج صراع دموي ضد القصر يجذب دعماً قبلياً واسع النطاق؛ أو وقوع "مأساة من صنع الإنسان"مثل انهيار جسر أو نفق يؤدي إلى مقتل أفراد عائلة من الضفة الشرقية، ويُنسب ذلك إلى بناء غير مطابق للمواصفات ومرتبط بالفساد؛ أو غلق مؤسسات عامة مثل العيادات أو المدارس أو المستشفيات وغير ذلك من إجراءات ينظر إليها على أنها تدابير تقشفية غير متناسبة تؤثر على أردنيي الضفة الشرقية الفقراء دون تقديم تضحيات مشابهة من القيادة السياسية وسكان عمان الأثرياء. وفي كل من هذه الأحوال، ستنتشر المظاهرات بشكل سريع على أساس التعاطف الشعبي، كما ستكون عناصر الأجهزة الأمنية — وأغلبها مكون من أردنيي الضفة الشرقية أنفسهم — من العوامل الداعمة لها.
ومن بين السيناريوهات الثلاثة لعدم الاستقرار، تشكل حالة الاستياء بين قاعدة النظام الأساسية في الضفة الشرقية أكثر العوامل تهديداً، ومنذ ظهور تنظيم "الحِراك" المستمر والصاخب على الساحة الأردنية في عام 2011 أصبح هذا السيناريو هو الأقرب من الناحية المنطقية.
وعلى الرغم من أن عدد أعضاء هذا التنظيم مازال غير ضخم، إلا أنه قد انتشر في شتى أنحاء المملكة وربما لا يستطع النظام التعويل لفترة طويلة على أفراد الأمن في الضفة الشرقية لقمع سكان الضفة الشرقية، حيث قد يشاركونهم همومهم. وحتى الآن، لا تمتلك "الحِراك" أجندة سياسية محددة وموحدة، بيد أن هذا الأمر قد يتغيّر بشكل سريع في سياق انتشار أعمال الشغب والمظاهرات التي تزداد يوماً بعد يوم مثل النار في الهشيم.
المؤشرات التحذيرية
تشمل علامات التحذير حول قيام سيناريو لـ "ميدان التحرير" في عمَّان توجيه انتقادات جريئة ومباشرة للنظام الملكي والدولة في وسائل الإعلام الأردنية المتنامية عبر الانترنت، وظهور منشورات ولافتات تطالب بالوحدة الوطنية لمكافحة فساد الحكومة، فضلاً عن ارتفاع وتيرة الاحتجاجات العمالية وازدياد حجمها، بالإضافة إلى قيام مظاهرات جامعية واعتصامات في مكاتب حكومية. وكل ذلك ينذر بخروج مظاهرات حاشدة. وبالمثل، فإن ازدياد مشاركة الفلسطينيين — الذين بقوا عموماً بعيداً عن المظاهرات الحالية — قد يكون نذيراً آخر من عدم الاستقرار.
أما في سيناريو الضغط الممارس من قبل الإسلاميين، فقد تكون علامات التحذير أقل حدة. وإحدى هذه الإشارات هي قيام الأنظمة الإسلامية أو الزعماء الإسلاميين في مصر وسوريا بتشجيع الإسلاميين الأردنيين على اتخاذ مواقف أكثر جرأة أو استخدام المقاومة العنيفة. كما أن تزايد نشاط الجماعات الإسلامية الأجنبية في الأردن سيعقد الجهود المبذولة من جانب النظام للتعامل مع التحدي الذي يفرضه الإسلاميون المحليون. بالإضافة إلى ذلك، يشكل النمو المتزايد للحركة السلفية المحلية في الأردن — وهو اتجاه سائد في المنطقة ويحدث بالفعل في الأردن — علامة تحذير أخرى.
أما بالنسبة للإحتمال الأخير والأكثر رجحاناً والمتعلق بانشقاق أردنيي الضفة الشرقية، فقد تشمل المؤشرات التحذيرية ارتفاع وتيرة احتجاجات "الحِراك" وازدياد حجمها ودرجة التنسيق بينها، والتعاون المتزايد بين "الحِراك" والإسلاميين، واحتمال إدانة المملكة بـ "الرضوخ" للمصالح الأجنبية، إلى جانب ارتفاع معدلات القمع العنيف للاحتجاجات، وانشقاق بعض "رجالات الملك" (أي أردنيي الضفة الشرقية من كبار السن الذين كانوا في السابق يدينون بالولاء التام للملكية) وانضمامهم إلى "الحِراك"، واندلاع "انتفاضة الخبز" في المناطق القبلية التي تهاجم الملك وعائلته.
ومن الأهمية بمكان أن لا يُنظر إلى هذه التطورات كاحتمالات منفصلة، بل لديها القدرة على التأثير على بعضها البعض كما يمكن أن تحرك بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، إن انتشار احتجاجات "الحِراك" التي تحد من تأثير الأجهزة الأمنية للنظام قد يجعل الأردن أكثر هشاشة لمواجهة عمليات التآمر والتخريب من قبل إسلاميين متطرفين. ومن الضروري مراقبة الأوضاع عن كثب في ما يتعلق بالآثار المعدية والمحتملة لأية مجموعة معينة من الأحداث.
التداعيات على المصالح الأميركية
إن أي تغيير جذري معاٍد للغرب في الأردن، يأتي بالإكراه نتيجة لمعارضة شعبية — على سبيل المثال تنازل الملك عن العرش أو قيام إصلاحات دستورية تحت ضغط الشارع — من المؤكد أن يؤدي إلى تحول عميق في موقف الأردن الاستراتيجي، مما سيترتب عليه إلحاق ضرر بمصالح الولايات المتحدة. فالنظام الملكي يلعب دوراً في الحفاظ على الموقف الأردني الداعم للغرب والسلام، وبالتالي فإن أي انتقاص بالإكراه من صلاحيات الملك يمكن أن يُلحق ضرراً بالعلاقات الأردنية- الأميركية والأردنية- الإسرائيلية. لذا فمن المؤكد أن إجراء تغيير جذري داخل الأردن من شأنه أن يفضي إلى حدوث تغيير جذري في سياسة الأردن الخارجية. وتشمل الانتكاسات المحتملة للولايات المتحدة نتيجة لهذا التغيير — على سبيل المثال لا الحصر — إنهاء معاهدة السلام الأردنية- الإسرائيلية، ورفض الأردن المشاركة في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن، وتؤدي ضمنياً إلى مضاعفة حالة عدم الاستقرار في الملكيات الخليجية التي تنظر إلى الأردن على أنها خط دفاع حاسم. وفي الوقت نفسه، فلدى الولايات المتحدة مصالح إنسانية وأخرى سياسية في الأردن تتمثل بـ : تجنب سفك الدماء بشكل كبير والذي قد يأتي نتيجة لإندلاع اضطرابات شعبية، وتعزيز التغيير الديمقراطي المستقر والمثمر، وإن يأتي ذلك تدريجياً، بما يتسق مع أهدافها الإقليمية الكبرى. وفي ضوء هذه المصالح وهذه التحديات، فإن منع إحداث تغيير جذري أو عنيف أو كليهما في الأردن هو من ضمن الأولويات العليا للولايات المتحدة.
الخيارات الاستباقية
يؤكد معظم المحللين أن الإصلاح السياسي هو الطريقة المثلى لحماية النظام الملكي في الأردن من التحديات العلمانية والإسلامية على حد سواء، ولكن هذا خطأ.
أولاً، وكما يُفهم بشكل كبير في الغرب، فإن الإصلاح هو قضية مسببة للخلاف في الأردن؛ وبسبب الانقسامات الديمغرافية، فإن تعريف الإصلاح هو أمر مختلف عليه.
ثانياً، المصدر الأكثر احتمالاً لعدم الاستقرار في الأردن — وهو حالة الاستياء التي تصيب أردنيي الضفة الشرقية — يأتي بعيداً عن مسألة وجود إصلاحات أو عدم وجودها. وعوضاً عن ذلك يمكن القول بأن العوامل الأكثر أهمية في شعور أردنيي الضفة الشرقية بحالة السخط هي الانطباعات عن الفساد المستشري وعدم وجود إنفاق حكومي كافٍ وسوء توزيعه.
وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر ينطوي على مفارقة لأن الكثير من أردنيي الضفة الشرقية ليسوا غاضبين بسبب الفساد بعينه بل لأنه لم يعد بوسعهم الحصول على ما يعتبرونه كحصة مناسبة وعادلة من العطاء الحكومي وخاصة في وقت يرون فيه أن "العمل يسير كعادته" بين النخب التي تربطهم علاقات جيدة في عمَّان.
والطريقة الأكثر فعالية لكي تتمكن الحكومة من نزع فتيل احتمال أن يطال هذا الاستياء شريحة كبرى من السكان هي من خلال قيام خليط متناقض إلى حد ما يشمل اتخاذ بعض إجراءات يجري الترويج لها بشكل جيد ضد الفساد الرسمي — وربما الفساد الملكي — في وقت تقوم فيه الحكومة بإنفاق المزيد من المال على الحاجات المحلية في المناطق الشرق أردنية الحساسة، وبالتالي تقسيم المعارضة وتفريقها. وعلى العكس من الإسلاميين، فإن شريحة كبرى من المعارضة في الضفة الشرقية لا تعيش حالة من العزلة الأيديولوجية مع النظام، لذا فإن إرضاء أردنيي الضفة الشرقية يجب أن تكون له أولوية كبرى.
ويقيناً، إن مهمة منع انزلاق الأردن إلى حالة من عدم الاستقرار تكمن بشكل أساسي في مسؤولية الملك. ومع ذلك، بإمكان واشنطن أن تتخذ الآن الخطوات التالية من أجل مساعدة الأردن على تجنب وقوع أزمة.
تقديم دعم مالي إضافي
منذ إقامة المملكة، ظلت الأردن دولة مدينة تعتمد على المانحين الأجانب للحصول على تمويل متكرر وتقديري غاية في الأهمية. ومؤخراً تفاقمت الحالة المالية للمملكة بسبب قطع إمدادات الغاز الطبيعي الرخيص الذي يأتي من مصر إلى جانب العنف الدائر في الجارة السورية. وفي الوقت ذاته شرعت عمَّان في برنامج تقشف وخفضت الدعم عن الطاقة والمواد الغذائية (مما تسبب في حالة من الغضب الشعبي) لتلبية شروط "الترتيبات الاحتياطية" التي توصلت إليها مع "صندوق النقد الدولي". وللحيلولة دون ازدياد حالة عدم الاستقرار الداخلي، فالمملكة بحاجة إلى المزيد من الدعم المالي. ودعمت الولايات المتحدة بشكل حكيم محاولات الأردن للوصول إلى سوق السندات الدولي من خلال منح المملكة ضمانات قروض. لكن تدفق اللاجئين عبر الحدود الأردنية وبأعداد متزايدة يضع أعباء إضافية على قطاع الخدمات العامة في الأردن ويخلق ما يمكن أن يكون منافسة مع المؤيدين الأكثر ولاء للنظام على الموارد المالية الضئيلة. وفي هذه الأجواء، سوف تكون هناك حاجة إلى دعم إضافي. وتستطيع واشنطن أن تتخذ خطوات متعددة من بينها منح عمَّان مساعدات ثنائية أكبر، وتنظيم مؤتمر "أصدقاء الأردن" لزيادة دعم هؤلاء للمملكة، واستخدام تأثيرها لإقناع السعودية ودول الخليج الأخرى على الوفاء بالتزاماتها بتقديم الدعم المالي للأردن.
دعم إجراءات صادقة لمكافحة الفساد
أصبح الفساد بمثابة صرخة تخدم مسألة الحشد القوي لجماعات المعارضة المختلفة في الأردن. وقد اتضح أيضاً أن الفساد يأكل من شرعية ومكانة المملكة — والتي وبالرغم من تأسيس "هيئة مكافحة الفساد" في عام 2006 — ما زالت تعاني من وجود انطباع بأنها ليست ملتزمة بما فيه الكفاية بالقضاء على الفساد القائم على المستوى العالي. وفي الوقت الذي تصنف فيه الأردن ضمن البلاد العربية الأقل فساداً وأن الحكومة كانت قد لاحقت بعض الحالات الحساسة التي تطال أشخاصاً رفيعي المستوى، إلا أن انطباع فساد القطاع العام المتوطن في البلاد هو السائد. ولمواجهة هذا الانطباع، بإمكان واشنطن تشجيع الملك على تشديد التزاماته المعلنة بمحاربة الفساد عن طريق المضي قدماً في محاكمات شخصيات كبيرة ومن خلال ترخيص المؤسسات مثل "منظمة الشفافية الدولية" لكي تفتح لها مكاتب في الأردن، فضلاً عن إلغاء التشريعات التي تضع قيوداً على منشورات الانترنت التي أثارت جدلاً واسعاً في محاولة لكشف الفساد في المملكة.
تشجيع قيادة سليمة وتمويل كافٍ للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية
يُعد إخضاع المسؤولين الحكوميين للمساءلة ضرورياً في المعركة ضد الفساد. ومع ذلك، فعندما ينظر إلى هذه الخطوة من زاوية أخرى فإنه لا ينبغي على شركاء الأردن وحلفائه أن يعلنوا عن ارتياحهم من الواقع المتمثل بسجن شخصين كانا حتى الآونة الأخيرة رئيسيين لـ "مديرية المخابرات العامة الأردنية"، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم مالية. ومن المؤكد أن العار الذي تعرض له هذان الرئيسان أمام الجماهير كانت له آثار معنوية على المؤسسة التي يعتمد عليها الملك في الأمن الداخلي. وفي هذا الصدد، فليس هناك أمام واشنطن الكثير التي يمكنها القيام به سوى المراقبة عن كثب لحالة الاستياء داخل الأجهزة الأمنية وتشجيع تعيين قادة يركزون فقط على حماية المملكة.
كما يمكن لواشنطن أن تمارس ضغطاً على عمَّان لكي تتخذ إجراءات لتعزيز قواتها المسلحة التي تعد الركن الآخر في أمن النظام. وباستطاعة الولايات المتحدة أن تشجع الحكومة الأردنية على تقليص ميزانية مشترياتها لسلاح الطيران، الذي طالما نال عناية خاصة (وميزانيات كبيرة الحجم) بالرغم من دوره الهامشي في الأمن القومي، لصالح القوات البرية التي تزود الرجال المعدات الضرورية لمواجهة التهديدات التي تواجه المملكة. وخلال الأوقات الاقتصادية الصعبة على وجه الخصوص، فمن الأهمية بمكان أن تحتفظ الأردن بمستويات تقليدية لتمويل المستشفيات والمدارس العسكرية التي تُقدم خدمات اجتماعية ضرورية للعائلات الفقيرة في الضفة الشرقية. ويجب تقديم النصح للأردن بألا يرتكب "خطأ غير ضروري" بإهمال البنى التحتية العسكرية الضرورية لاستقراره الداخلي.
تعزيز التعاون الهادئ حول سوريا
ستشكل سوريا — بما تمر به الآن من حرب أهلية أو في مرحلة ما بعد الأسد — تهديداً كبيراً على الأمن الأردني، وهو تهديد سينافس أو حتى يتجاوز النشاط العسكري المتزايد لـ تنظيم «القاعدة» في الأردن، في أعقاب الغزو الأميركي للعراق. وسيؤدي انتشار الإيديولوجيات المتطرفة من قبل الجماعات الإسلامية في سوريا، وتدفق الجهاديين الذين يدينون بالعنف، والتهديد الناجم عن الإرهاب العابر للحدود، والتجارة بالأسلحة المتطورة إلى تآكل الاستقرار الداخلي في الأردن. ولمساعدة الأردن على التصدي لمثل هذا الطيف من التهديدات ولحماية السياسة الداخلية في البلاد من التطورات في سوريا، فبإمكان الولايات المتحدة أن توسع من تبادلها للمعلومات الاستخباراتية القوية بالفعل وتعاونها مع الأردن. ومع ذلك لا بد لها من العمل مع الأردن على نحو يكتنفه السرية والهدوء. ومهما كان الردع الإضافي الذي من الممكن أن ينتج عنه التصادم وجهاً لوجه مع سوريا من خلال الإعلان عن تعاون استخباري وعسكري بين الولايات المتحدة والأردن والذي يتضمن نشر قوات أميركية للاستعداد لأي حالة طارئة — إلا أنه يمكن الاستعاضة عنه عن طريق تأجيج المشاعر المحلية التي قد تشتعل إذا ما تفاقمت الظروف.
تشجيع اتفاقية غاز مع إسرائيل
تتمحور مشكلة الأردن الاقتصادية بشكل كبير حول موضوع الطاقة. وفي الوقت الذي كانت فيه مصر المصدر الرخيص للغاز لوقت طويل، إلا أن غياب الأمن في مصر بعد الثورة جعل من خطوط أنابيب الغاز إلى الأردن عرضة للهجمات الإرهابية مما أجبر الأردن على البحث عن ممولين بدلاء للطاقة بأسعار باهظة. وواجهت عمَّان مصروفات تزيد قيمتها عن مليار دولار لم يتم رصدها في ميزانية عام 2012. ولن تعود مصر ثانية وتصبح مزوداً للغاز يمكن الاعتماد عليه في المستقبل المنظور. وعلى المدى القصير، هناك ما قد يسد الفجوة مثل ترتيبات تفضيلية مع العراق، وربما الحصول على نفط بأسعار مخفضة من الخليج. بيد أن الحل الاستراتيجي للأردن هو إسرائيل التي ستبرز قريباً كمُصدر رئيسي للغاز وترغب في تزويد الأردن باحتياجاته وبأسعار ميسرة في المستقبل. غير أن هناك مشاعر معادية لإسرائيل تطغى على الرأي العام الأردني وتمنع الأردن من السعي إلى التوصل إلى اتفاقية غاز مع إسرائيل. وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط لإقناع القصر الملكي والشعب الأردني على قبول اتفاقية تصب في مصالح الأردن الإستراتيجية والتجارية والأمنية وكل هذا في الوقت الذي يتم فيه تعزيز معاهدة السلام الإسرائيلية- الأردنية.
دعم إصلاحات ذات مصداقية وإن متواضعة
في الوقت الذي لا يعد فيه الإصلاح السياسي السبب الرئيسي لمعارضة النظام الملكي فإن إجراء إصلاحات ديمقراطية متواضعة ستكون دون شك موضع ترحيب بسبب فوائدها الكبيرة وتحسينها لصورة الملك على حد سواء. فبعد اندلاع ثورات "الربيع العربي" بوقت قصير في بداية 2011، بادر الملك بإطلاق عملية أسفرت عن إجراء إصلاحات دستورية نالت استحسان 70 في المئة من الأردنيين. وفي الوقت الذي لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تؤيد التغييرات ذات الطبيعة التحويلية التي ينادي بها الإسلاميون، إلا أنه يتعين على واشنطن أن تدعم المزيد من الإصلاحات المعتدلة التي تتضمن مراجعة قوانين الإعلام من أجل توفير بيئة إعلامية أقل قمعية وتعديل قانون الانتخابات لزيادة عدد الممثلين المنتخبين من القائمة الوطنية بما يمنح الأحزاب السياسية تمثيلاً أكبر في مجلس النواب.
التعاطي مع إسرائيل والسعودية
لإسرائيل والمملكة العربية السعودية مصالح عميقة في استقرار الأردن، ويمكن للولايات المتحدة أن تدعم الأردن من خلال تعزيز العلاقات مع تل أبيب والرياض. وبالنسبة لإسرائيل التي تعتبر معاهدة السلام التي وقعتها مع الأردن بمثابة كنز استراتيجي، فإن إيجاد طرق لضمان استقرار جارتها الشرقية تشكل أولوية عليا. كما أن مصالح السعودية هي أكثر تعقيداً. فبالرغم من التقلب في علاقة العائلة السعودية الحاكمة مع الهاشميين، فإن الأردن تعد منطقة عازلة هامة تحول دون قيام حالة من عدم الاستقرار في الشمال. وعلى الرغم من أن المصالح السعودية والإسرائيلية ليست متماثلة، إلا أنها تكمل بعضها البعض، وهناك الكثير مما يمكن أن تقوم به واشنطن لتعزيز التعاون السياسي والأمني والاستخباراتي المباشر بين عمان والقدس والرياض. كما أن هناك لاعبين آخرين يضطلعون بدور داعم — مثل الإمارات العربية المتحدة والدول الأوروبية الكبرى ودول شرق آسيا المؤيدة للغرب — لا سيما من حيث توفير مساعدات اقتصادية. ومع ذلك فإن دورهم في وقت الأزمات سيكون محدوداً للغاية.
خيارات التهدئة
إذا ما واجه الأردن تدهوراً سريعاً في أوضاع البلاد، فينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم أولاً باتخاذ خطوات عملية تكفل سلامة موظفي السفارة الأميركية والرعايا الأميركيين المقيمين في المملكة. وفضلاً عن ذلك هناك خطوات هامة يمكن أن تقوم بها واشنطن — وحدها وبالتنسيق مع دول أخرى — للتخفيف من حدة الأخطار المترتبة على عدم الاستقرار في الأردن. وهذه تشمل ما يلي:
1. تقديم الدعم العلني
في حالة اندلاع عنف أو مظاهرات كبيرة في الأردن، يمكن لواشنطن أن تشجع القصر بشكل سري على مواصلة سياسته القائمة منذ مدة طويلة والمتمثلة بالسيطرة على الحشود السلمية مع تجنب توجيه انتقادات علنية للملك عبد الله الثاني أو إقامة اتصالات رفيعة المستوى مع رموز المعارضة؛ ويمكن تفسير هاتين الخطوتين بأنهما مؤشران على تراخي الدعم الأميركي للمملكة. إن الضغط على الملك من أجل إجراء تغييرات سياسية جذرية مثل السماح بتمثيل نيابي كامل أو شبه كامل من قبل مرشحين في قائمة وطنية ربما يبدو متماشياً مع المبادئ الديمقراطية، ولكن ذلك من المرجح أن يؤدي إلى استفادة الحركة الإسلامية بصورة وحيدة من هذه الخطوة.
2. تأمين تدفق مباشر للنقد
لا يمكن للمال أن يضمن الاستقرار في الأردن، ولكن تأثيره قد يمكّن الملك من شراء الوقت للسيطرة على الصعوبات الاقتصادية التي تؤجج الاضطرابات الشعبية. لذلك فإن قيام دول الخليج أو المانحين الغربيين بمد يد المساعدة وتقديم أموال وفيرة أثناء اندلاع الأزمة يمكن أن يعمل كإجراء موقت ومفيد، ويمّكن القصر من استعادة نظام الدعم على السلع، ويرفع أجور موظفي الحكومة، أو يمكنه من اتخاذ خطوات من شأنها أن تنزع فتيل المظاهرات. وبعد ذلك يمكن للملك أن يستأنف برنامجه في الإصلاح المدبر بمجرد استقرار الأمور.
3. إنذار الداعمين الخارجيين لـ «الإخوان المسلمين»
بإمكان واشنطن أن تفكر في اتخاذ إجراءات أكثر حزماً لمنع الجهات الفاعلة من خارج الأردن من تغذية حالة عدم الاستقرار، مثل قيام واشنطن بإصدار تحذيرات قوية إلى مصر (حيث «جماعة الإخوان المسلمين» هي الأقوى) وقطر (الممول الرئيسي لـ «الإخوان») حتى لا يتدخلا في السياسة الأردنية. لكن إذا وجدت عمَّان نفسها في خضم أزمة مع أردنيي الضفة الشرقية الذين يشعرون بحالة من الاستياء، فيمكن لكل من القاهرة والدوحة أن تجد في ذلك فرصة لتوسيع تأثير الإسلاميين والمساهمة في التصعيد الخطير عن طريق تشجيع الإسلاميين في الأردن للخروج إلى الشوارع والدخول في تحالف تكتيكي مع أردنيي الضفة الشرقية. ولمنعهم من القيام بذلك، يتوجب على الولايات المتحدة أن توضح لهما التكاليف الكبيرة التي ستدفعها مصر وقطر جراء التدخل في الشؤون الداخلية للأردن.
التوصيات
للولايات المتحدة مصالح هامة على المحك في الأردن ولذلك يتوجب عليها القيام الآن باتخاذ خطوات للتقليل من احتمالية بروز تهديد رئيسي لاستقرار الأردن في المستقبل القريب. والعامل الأكثر مساهمة في عدم الاستقرار في الأردن هو مالي في الأغلب؛ وقد ورد في تقرير "صندوق النقد الدولي" أن الوضع المالي الأردني النصفي يبدو إيجابياً، ولكن للوصول إلى "المنتصف" وبخاصة إذا ما ساءت الحالة الأمنية في المنطقة، فإن الأردن بحاجة إلى مساعدة. وعلى نحو متزامن، لا يمكن فصل الأردن من الأزمة المتفاقمة في سوريا لكن يمكن حمايتها من المآلات الأكثر سلبية التي ربما تنتج عنها. وعلى هذا النحو، ينبغي أن تقوم إدارة الرئيس أوباما باتخاذ الخطوات التالية:
- العمل مع الكونغرس الأميركي لمواصلة المساعدة العسكرية إلى الأردن وتنظيم مؤتمر "أصدقاء الأردن" لتوفير مساعدات مالية إضافية لتعويض تكاليف إيواء اللاجئين السوريين. يجب أن يشمل المبلغ الدقيق للمساعدات — الذي يمكن أن يصل إلى مئات الملايين من الدولارات — تقييمات الاحتياجات التي تقوم بها الإدارة الأميركية وحكومة الأردن والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، فضلاً عن علاوة سياسية مخصصة لمساندة النظام مما يتعرض له من اهتزازات ولمنع ازدياد حالة عدم الاستقرار الناتجة عن التنافس على المال العام المحدد. وبالإضافة إلى ذلك ينبغي على إدارة أوباما أن تقوم بتشجيع السعودية والدول المانحة الأخرى على الوفاء بالتزاماتها المتبقية. وهذه الخطوات سوية ينبغي أن تقلل من عجز الموازنة في الأردن وتوفر لعمَّان الوسيلة لمعالجة مطالب شرائح سكانية هامة في البلاد.
- قيام المجموعة المقربة من الملك عبد الله بالعمل بشكل سري لبذل جهود ممنهجة بشكل أكبر لمكافحة الفساد مع تعزيز الاستثمارات المفتوحة والشفافة في المناطق التي يشكل أردنيو الضفة الشرقية غالبية سكانها. ينبغي أن تكون هذه الرسالة على رأس أجندة المشاورات الأميركية- الأردنية. كما يتعين على قيادة الاتحاد الأوروبي أن تعزز من هذه الرسالة وأن توفر المساعدات التقنية الخاصة بإجراءات مكافحة الفساد.
- تشجيع عمّان على تحديد أولويات إنفاقها العسكري في مجالات ضرورية للحفاظ على النظام. يجب أن يتركز الإنفاق على القوات البرية والأجهزة الاستخباراتية ومؤسسات الدعم العسكرية (مثل المستشفيات والمدارس)، بدلاً من الإنفاق على شراء سلاح الطيران وعلى المجالات الأخرى الثانوية للحفاظ على الاستقرار.
- تشجيع الأردنيين على مواصلة الإصلاحات السياسية الإضافية. قد يشمل ذلك التخفيف من القيود على الإعلام وزيادة عدد المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية في البرلمان. كما يتعين على أي تغيير أن يفضي إلى التوازن في الحفاظ على دفع الحركة إلى الأمام لكن دون رفع سقف التوقعات حول التحول السياسي السريع أو إتاحة الفرص لخصوم النظام لتعزيز التغيير الثوري.
- مقاومة انتشار الأيديولوجيات الإسلامية المتطرفة والإرهاب الجهادي في الأردن. يمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين التعاون القائم بالفعل بين الاستخبارات الأميركية والأردنية وتحذير الجهات الفاعلة الخارجية — وخاصة قطر ومصر — من استغلال حساسية الموقف الأردني لزيادة التأثير الإسلامي في البلاد، مع العمل لمنع «حماس» من السيطرة على الضفة الغربية فضلاً عن تقوية التعاون الهادئ بين الأردن وكل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية .