من الصعب عدم الالتفات الى صدق واستقامة رئيس الاركان. قال غادي آيزنكوت للحكومة أمور كثيرة. فقد صور الاتفاق النووي مع ايران على أنه يحمل "مخاطر كثيرة وفرص أيضا"، وعن سياسة الاغلاق والحصار قال إنه "من الخطأ فرض الاغلاق والحصار فهذا ضد مصلحة اسرائيل". وشدد على ضرورة "الحفاظ على الأمل في عيون السكان الفلسطينيين" و"الفصل بين منفذي الارهاب وبين السكان".

العمود الفقري لخطابه في مؤتمر معهد البحوث الاستراتيجية يعتمد على أمرين لا يمكن الفصل بينهما وهما الأمل للفلسطينيين والشعور بالأمن للمواطنين الاسرائيليين. إن منصب آيزنكوت لا يشمل المسؤولية عن أمل الفلسطينيين لكنه بيقين مسؤول عن الشعور بالأمن لمواطني اسرائيل. اليكم المفارقة: كيف يستطيع رئيس اركان منح الشعور بالأمن في حين تؤخذ منه المسؤولية عن أحد مركباته الأساسية، أي ذلك الأمل الذي يجب منحه للفلسطينيين؟ كيف يستطيع الحصول على تحذيرات موضعية عن عمليات السكاكين في حين أن التحذير الظاهر للعيان هو الاحتلال الذي يخلق واقعا يغيب عنه الأمل بالنسبة للفلسطينيين، وهو لا يقدر على اعطاء الاجابة؟.

آيزنكوت، خلافا لبعض أسلافه، لا ينتظر لحظة تحرره من اجل المحاسبة مع المستوى السياسي وهو لا يقوم بتقديم الحل على الاخفاقات المستقبلية.

إنه يطرح سياسة ضرورية في المكان الذي لا يستطيع فيه السياسيون وضع السياسة، أو أن سياستهم تهدد دولة اسرائيل. لكن الذي يُقدم، بشكل مشتعل الى هذا الحد، الصلة الوثيقة بين "أمل الفلسطينيين" وبين العمليات الارهابية لا يمكنه الاكتفاء فقط بخطاب وانتظار أن يقوم أحد ما في القدس باكتشاف الضوء. توجد لرئيس الاركان قوة كبيرة وصلاحيات واسعة تُمكنه من منح مبادئه تفسيرات عملية في الميدان دون انتظار المستوى السياسي.

إن آيزنكوت غير مسؤول عن تحقيق السلام، لكن لكونه السيد في الميدان فهو يستطيع أن يضمن أن تتصرف المحاكم العسكرية حسب المباديء الانسانية المناسبة، وأن يجد المزارعون الفلسطينيون المرافقة الامنية حينما يذهبون لفلاحة اراضيهم تماما كما يتم منح ذلك لاولاد المستوطنين. وهو يستطيع منع انشاء البؤر الاستيطانية الغير قانونية ووقف طرد البدو من غور الاردن أو تدمير مغارات سكان جنوب جبل الخليل. ومن صلاحيته زيادة كمية البضائع التي تصل الى غزة وعدد تصاريح العمل التي تمنح لسكان الضفة. لكن هذا هو الجزء السهل والمضلل. لأن خلق واقع احتلالي "مريح" لا يخلق الأمل ولا يمنع السكاكين. "الاحتلال المتنور" تمت تجربته في العقد الاول بعد حرب الايام الستة. وقد فشل فشلا ذريعا. الاحتلال لا يمكنه أن يكون متنورا أو قابلا للاحتمال. إنه يتدهور سريعا ويتحول الى احتلال فظ وانتقامي وعنيف. وبهذا يخلق من جديد الخدعة بأنه لو كان أكثر انسانية ولو كانت أُعطيت للذين يقعون تحته المزيد من الحقوق ولو أن المحتل يطبق قوانين مواطنيه على الذين يقعون تحت الاحتلال، لكان الأمر نجح.

هذا هو الخطأ الذي يشوه الواقع لمن يتبلبلون بين الاحتلال والفصل العنصري. ليس طابع الاحتلال هو الذي يخلق المقاومة بل وجوده. والخشية هي أن آيزنكوت أيضا وقع في كذبة أن اماكن العمل والنمو الاقتصادي هما أساس الأمل الفلسطيني. لو كان الامر كذلك فيجب تذكيره بأن النمو الاقتصادي في الضفة قبل الانتفاضة الثانية وصل الى 9 في المئة.

اذا تحول رئيس الاركان الى مؤيدا لـ "السلام الاقتصادي" – ذلك الاختراع الذي يهدف الى تجاوز المفاوضات السياسية – فان نتنياهو وبينيت يمكنهما أن يكونا راضيين. واذا لم يقصد آيزنكوت هذا في خطابه بل قصد سعي الفلسطينيين الى اقامة دولة مستقلة – فمن الافضل أن يقول ذلك بكل وضوح.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف