امتلأت القاعة الباردة بالغضب، ووجوه عشرات الاشخاص المتكدرة عبرت عن ذلك. في القرية الفلسطينية النائية كرمل، جنوب جبل الخليل، كان العزاء هذا الاسبوع بعد قتل الطفلة رقية أبو عيد التي لم تبلغ بعد 14 سنة من قبل حارس اسرائيلي حاولت طعنه على مدخل عنتوت. في وسائل الاعلام الاسرائيلية لقبوها بـ "مخربة عمرها 13" دون أن يرمش جفن. الأب الثاكل رفض في البداية الحديث معنا. "ماذا أقول للاسرائيليين الذين قتلوا ابنتي". في الطريق الى هناك تساقط الثلج، وخارج قاعة العزاء ساد الضباب وفي الداخل كان الغضب والبرد. وبعد وقت قصير هدأت الأجواء تقريبا والأب عيد وافق على الحديث. لقد ربط بين فعل إبنته اليائس وبين الواقع تحت الاحتلال. "كل ولد صغير يرى الجرائم"، قال.
في اسرائيل اختاروا الرواية التي تحدثت بها والدة الطفلة التي قالت إن رقية خرجت من البيت وهي تحمل السكين بعد أن تشاجرت مع أختها. هنا أحبوا هذا التفسير بالطبع: ليس الاحتلال وليس الحذاء. صراع عائلي. لم تكن لنا صلة بالأمر. وايضا التفكير بأن كل طفلة فلسطينية تعرف أنها اذا خرجت وهي تحمل السكين سيقتلها الاسرائيليون – لا يزعزع أحدا.
عشرات الفلسطينيين الذين خرجوا في الاشهر الاخيرة لقتل الاسرائيليين لم يفعلوا ذلك "لأنهم يهود"، كما تقول الدعاية الاسرائيلية، بل ذهبوا للطعن والدهس لأنهم محتلين. ذهبوا لقتل المحتلين. اختاروا العنف كطريقة لمقاومة العنف العميق أكثر للاحتلال. أرادوا الاضرار بالاسرائيليين ولا سيما الجنود والمستوطنين بسبب الاحتلال وليس بسبب يهوديتهم. لا علاقة ليهوديتهم بالامر. من ناحيتهم لا يوجد فرق بين جندي يهودي أو جندي درزي أو بدوي أو مستوطن إبن قبيلة منشه.
إن محاولة تصوير كل مقاومة فلسطينية عنيفة على أنها مطاردة لليهود بسبب يهوديتهم تهدف الى تجنيد تأييد العالم للضحية المطلقة التي هي اليهود واخفاء الضحية الحقيقية عن الوعي في قصة الاحتلال الاسرائيلي. المحتل كضحية، بل الضحية الوحيدة، بتشويه كامل للواقع. وهذا ايضا من اجل اهداف داخلية: الاسرائيليون يحبون التباكي. فهو يوحد ويخفي الدافع الحقيقي ويشوش على من هو المتهم ويعفي اسرائيل من المسؤولية.
لا يجب تبرير الارهاب الفلسطيني من اجل فهم ذلك. إن كل زيارة تقريبا في بيت فلسطيني ثاكل تظهر صورة مشابهة. خلال عشرات السنين أرى كيف يستقبلون هناك الصحافي الاسرائيلي دون معرفة من هو وماذا يمثل، بعد الجنازة بساعات قليلة. وكيف كان سيُستقبل صحافي فلسطيني في بيت عزاء يهودي لمتضرري الارهاب الفلسطيني؟.
الامور تكرر نفسها: نحن لا نكره اليهود. نحن نكره الاحتلال. واحيانا يقولون: نحن نكره الحكومة. وفي حالات متطرفة – الصهاينة. ليس اليهود. إنسوا اللاسامية وكراهية اليهود وتذكروا الاحتلال. في اغلبية الحالات احتلال الـ 1967 واحيانا احتلال 1948، لا سيما في مخيمات اللاجئين.
التفكير بأن عشرات الفلسطينيين خرجوا لعمليات الطعن والدهس التلقائية، وهناك المئات أو الآلاف الذين يفكرون بفعل ذلك، كان يجب أن يثير التفكير في اسرائيل. ليس تفكير الضحية التي يريدون قتلها بل التفكير في ما الذي يدفع الاولاد والبالغين اليائسين لفعل ذلك وهم يعرفون أن فرص نجاتهم معدومة.
لكن هذا سيثير الاسئلة التي يهرب منها الاسرائيليون كهروبهم من النار. رقية الصغيرة أرادت الانتحار بسبب أختها أو لمجرد قتل اليهود كونهم يهودا. ليس هناك احتمال آخر.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف