- تصنيف المقال : الجالية الثقافي
- تاريخ المقال : 2016-02-24
الى صبحي حديدي
تركنا دمشقَ على حالِها
محصّنةً بالمجازِ ومشغولةً بالبرابرةِ القادمين
على خيلِهم من حصونِ الجنوب.
ثلاثٌ وخمسونَ مملكةً تحتَ حكمِ المجوسْ
ثلاثٌ وخمسونَ بريّة في الشمال
مُوثّقةٌ في صكوكِ الجباةِ
ومحسوبةٌ حبةً حبةً في حسابِ المكوسْ.
ثلاث وخمسونَ مقتلةً في السهولِ
سيؤتى بها كي تُسمّى برسمِ الأميرْ
ويرفعها شاعرٌ في كتابِ الزمانْ.
ثلاثٌ وخمسونَ جارية
في الطريقِ إلى أصفهانْ.
تركنا دمشقَ التي أطعمتْ خيلَنا في الفتوحِ
محايدةً مثلَ جبٍّ قديم
ومحكومةً من قبور المماليك في برِّ مصر.
" وقد نغتدي .."،
لا نطيع الكلامَ
ولا نُشترى بالبلاغةِ مثلَ الطواويس في المهرجان.
وكان لنا في مجالِسها أخوةٌ في اللِسان
عصاةٌ وتجّارُ إبلٍ، رواةٌ وقرّاء، أصحابُ قولٍ
وطرّاقُ معنى وسمّارُ حانْ.
عصبةٌ من سوادِ العراقِ وأحياءِ بغدادَ
يلقونَ حجَّتهم للكلامِ
كما يطلقُ القانصُ الصقرَ خلفَ الطرائدِ
بيضاً وسمراً
وفيهم من الكردِ والزنجِ والتركمانْ.
على بابِها ودّعتنا الجيادُ
وودعنا الجندُّ
قال لنا القاطنونَ بها، أهلُها،
ما يقالُ على البابِ للذاهبينْ.
رددنا لها "قاسيونَ" بأوصافه
مثلما ينبغي للأماناتِ إذ تُستردُّ.
تركنا لها نهرها جارياً، وهو نهرٌ صغيرٌ،
وأسماءَ جاراتها
والبغالَ التي حملت صيفَها كاملاً للثغورْ.
تركنا لها "بابَ توما"
وقبرَ ابن أيوبَ
والشيخَ
والخانَ للقاصدينَ المعريّ.
كان التقاةُ المملونَ في بهوِها يقرأون النواهي
على صبية السوق في الهاجرة.
وكان السكارى يعيدونَ رسمَ الحواشي ويبكونَ
تحتَ الحجارةِ حيثُ الكتاب.
وكانَ الغلاةُ من الباطنيةِ يلقونَ أولادَهم من حوافِ الجبال.
وكان الدعاة على عجل يعبرونَ المسالكَ
من سهلِ حوران.
كان الشمالُ بعيداً ومحتشداً بالرجال.
وكان الدهاةُ يشّدّونَ أروقةَ الحكمِ
بالحيلِ المنتقاةِ من الشعرِ والسُّنةِ الظاهرة.
تركنا النساءَ الغريباتِ في "باب توما"
وظلّت علينا عطورٌ
أضاءت لنا سبلاً للذهابْ.
تركنا الفتاةَ ممددّةً في سريرٍ عريض
ووقتاً يفيضُ على الجانبينِ
وبابَ الزقاقِ الذي دونَ بابْ.
تركنا دمشقَ على حالِها
مصطفاةً ومأهولةً
في التباسِ المجازْ.
على مهلها تجمعُ الجوزَ
من شجرٍ عارضٍ
حيث ينتظرُ الذاهبونَ إلى "أين"
حافلةً في قطارِ الحجازْ.