منذ إستيقظت صباح اليوم، فوجئت بفيديو عنوانه "بكاء وتوبة في إحدى مدارس غزة" ينتشر كالنار في الهشيم علي مواقع التواصل الإجتماعي، وأولى الكلمات التي تسمعها فتصدمك فور تشغيل الفيديو هي "يا لفرح الشجر يا لفرح الحجر بتوبتهم إلى الله"، فوراً وبدون أي تفكير يذهب خيالك بك إلي مجموعة من المشركين يعيشون في مدينة قد فتحها المسلمون لتوهم فيدعونهم لدخول الإسلام والتوبة عن خطاياهم السابقة. ثم ما يلبث أن يتدارك عقلك المشهد، لتتذكر عنوان الفيديو "مدارس غزة" لتصيبك الصدمة عندما تشاهد مجموعة من الاطفال أكبرهم لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره يجهشون في البكاء، وسط تكبيرات من مجموعة أشخاص يطلقون علي أنفسهم إسم "دعاة"، بينما يتسلل أحد " الدعاة" وسط الأطفال ليأخذ الباكي منهم إلي الأمير ليحتضنه وكأننا عدنا لزمن "صكوك الغفران"، الذي حدث يا سادة بإختصار شديد هو إستغلال لبراءة ونقاء وفطرة أطفالنا، وبث الخوف في نفوسهم، ويبدو أن هؤلاء "الدعاة" قد نسوا أن الله محبة وليس خوف، وأن علاقتنا بالله عز وجل قائمة علي المحبة لا علي الخوف .
لابد قبل أي نقول أي شئ هنا أن نذكر السادة الذين يصفون أنفسهم بـ "الدعاة" بأن الإسلام قد دخل غزة في العام 635 ميلادي، كما وتعتبر غزة هي مسقط رأس الإمام الشافعي وهو أحد الأئمة الأربعة الكبار عند المسلمين، أي أن الإسلام والمسلمين في غزة قبل أن يولد هؤلاء الأشخاص أو حتي تولد أمهاتهم.
أما السؤال الذي يجعلك تفقد عقلك فعلاً، ما هو الجرم الذي إرتكبه هؤلاء الأطفال الذين لم يتجاوز عمر كبيرهم الخامسة عشر حتي يأتي إليهم أولئك الأشخاص الذين يسمون أنفسهم بـ"الدعاة" ليطالبوهم بالتوبة والتكفير عن ذنوبهم؟ ماذا رأى أطفال غزة من الحياة أصلاً حتي يرتكبوا معاصٍ؟ ثم حتي لو إرتكبوا الخطايا والأثام من انتم لتحاسبوهم والقلم لم يسرى عليهم أصلاً؟ ومن أنتم لتحاسبوهم أصلا؟ من أنتم أصلاً ومن نصبكم ولاة امرنا؟ بأي حق تحاكمون من بقى من أمل لنا في غد أفضل؟؟ تالله إن الظروف التي يمر بها قطاع غزة تكفر عن ذنوب كل من له ذنوب من أهلها.
هؤلاء "الدعاة" تجرأوا فقط علي أطفال عاشوا في الثماني سنوات الأخيرة 3 حروب مدمرة، بينما هناك مناطق كاملة في العالم لم تشهد إطلاق رصاصة واحدة منذ عشرات السنين، هؤلاء "الدعاة" تجرأوا علي أطفال بحاجة لدعم نفسي ليس أقل من سنوات طويلة ليصبحو أطفال كبقية أطفال العالم، هؤلاء الأطفال الذي لم يروا منذ وعوا علي هذه الدنيا الكهرباء ل 24 ساعة متتالية، حيث أصبحت الرفاهية بالنسبة إليهم أن تأتي الكهرباء بضع ساعات إضافية أو أن تعلن شركة الكهرباء أن العمل سيبدأ بجول ال8 ساعات كهرباء يومياً بدل من جدول ال 6 ساعات.
هؤلاء "الدعاة" تجرأوا فقط علي أطفال سرق الفقر أحلامهم، حيث أن ما يفوق 90% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر بالإضافة لتجاوز نسبة البطالة ال 65% من سكان قطاع غزة مع إنخفاض معدل دخل الفرد اليومي ليصل إلي 1 دولار في اليوم، هؤلاء "الدعاة" تجرأوا فقط علي أطفال الفقراء الذين بالكاد تستطيع عائلاتهم توفير قوت يومها، يا لغبائكم وهل هناك من مصيبة أكبر من الفقر؟ عن ماذا يستغفروا؟ عن ماذا يتوبوا أليس من الأولى بهؤلاء "الدعاة" أن يتوجهوا إن كانت لديهم الجرأة –والتي لا أظنها لديهم- إلي من يحكم قطاع غزة بحكم الأمر الواقع ليدعوهم للتوبة والإستغفار إلى الله، وأن يدعوهم لرفع أيديهم عن هذا الشعب الذي يعاني كما لم يعاني من قبله أحد، بل وتقبيل أرجل هؤلاء الأطفال طلباً للصفح والعفو والغفران علي تركهم في هذه الظروف المعيشية اللإنسانية التي تقهر الحجر قبل البشر والتي تسببوا لنا ولهم بها في السنوات الماضية بسبب تفضيل مصالحهم الحزبية علي مصالح عامة الشعب.
- هذه المجموعة التي تطلق علي نفسها ب" الدعوية" قامت بتصوير هذا الفيديو في ساحة مدرسة تتبع لوزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة حماس، أي أن الوزارة مسؤولة بالكامل عن هذا التصرف وعواقبه ومطالبة الأن قبل غداً بإيقاف تمدد هذه الظاهرة وإنتقالها للمدارس الأخرى في القطاع
- على حكومة حماس أن تعي وتدرك جيداً أن كل المحاولات نحو صبغ قطاع غزة وقولبته في إطار أيدلوجي وإجتماعي وثقافي واحد لم ولن تلفح، نحن شعب كنا ونزال وسنظل شعب متنوع صاحب قضية كانت وستبقي قضية وطنية بإمتياز، يناضل تحت رايتها كل أبناء شعبنا بمسلميه ومسيحيه وأبناء طائفته السامرية اليهودية وكل صاحب توجه فكري أو معتقد.
- أطفالنا هم مستقبل قضيتنا، هم ما تبقي لنا، هم الخط الأحمر الذي لا يمكن السماح بالتلاعب في مصيرهم، يكفينا حاضرنا الذي تلاعبتم به، مطلوب وقفة جادة من مثقفي فلسطين ضد هذا النهج الرجعي الذي يسئ لصورة فلسطين والدين الإسلامي، فأطفال غزة في خطر، غزة التي كانت وستظل منارة للتنوع والحرية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف