بداية نبدأ بالترحم على روح الشهيد عمر النايف، وكم كنَّا نتمنّى أن يكون رحيله عامل توحيدٍ لنا ولرصّ الصفوف بدل التشرذم وتوزيع الإتهامات والتهديدات.
ليس الهدف من اصدار هذا المقال هو الدفاع عن هذا الطرف او ذاك، ولا ان ننتحل شخصية المحقق البوليسي ولا رجال الامن ولا ان نتقمص شخصية الطبيب الشرعي او نقوم بدور المدعي العام وانما لقول الحق وتوضيح ما جرى بكل شفافية وموضوعية.
ولابدَّ أن نشير إلى الحقائق التالية :
أولاً: استطيع القول انه لم تكن هناك أيّة نية لبلغاريا في اعتقال وتسليم الشهيد عمر النايف إلى القضاء الإسرائيلي وذلك للحساسية الفائقة لهذا الحدث، فمن ناحية لا تستطيع رفض الطلب الإسرائيلي (نظراً للاتفاقيات الموقعة) ومن ناحية ثانية لا تريد أن تُوقع نفسها في مشاكل مع الفلسطينيين والعرب في قضيةٍ لا ناقةَ لها فيها ولا جمل... ودليلنا على ذلك بأنها قامت بتسليم النايف مذكرة استدعاء للمثول أمام المدعي العام، بدلاً من اعتقاله المباشر!... إن أي عاقل يفهم بأن ذلك يعني: 'دبِّر راسك، فلديك مهلة للاختفاء والخروج الآمن من البلد ونحن سنغض الطرف عن ذلك'. ولا يوجد أي تفسير آخر لهذا.
ثانياً: منذ اللحظة الأولى التي علمت بها السفارة الفلسطينية بالقضية أعلنت وبكل صراحة و وضوح، وطبعاً بعد الرجوع للجهات المعنية بأنه ليس للسفارة القدرة الواقعية والإمكانيات العملية لحماية عمر النايف طيلة أربع سنوات ونصف وهذا ليس لأنه سيشكل عبئاً عليها او يعرقل عملها وانما حرصاً على حياته وسلامته حيث بينت ان السفارة لا تشكل مكانا آمنا للاسير وذلك انطلاقا من الموقع الجغرافي للسفارة من جهة وظروف الاسير الصحية التي يعلم بها الجميع من جهة اخرى، حيث انه كان يعاني من مشاكل صحية كانت تتطلب منه دخول المستشفى أحيانا للعلاج، ونظرا لانه قد يتعرض خلال اقامته في السفارة لوعكة صحية يترتب عليها نقله للعلاج الى المستشفى مما يعني تعرُّضه للاعتقال من قبل السلطات البلغارية، وبالمناسبة فإن هذا الموقف من قبل السفارة لا يعتبر تهمةً أو تقصيراً منها، بل على العكس فإنها أعلنت بوضوحٍ تام وشفافية عن موقفها وهذه نقطة تُعدُّ لصالحها وبالتالي تنفي عنها تهمة التواطئ والتآمر، وكان الأمر سيكون مختلفاً لو أنها عملت بعكس ما صرَّحت و كانت صادقة ومنسجمة مع موقفها المعلن. ومن الجدير بالذكر أن الخارجية الفلسطينية والسفارة كانت تبحث عن وسيلة جدية لحماية الاسير وتم العرض عليه الخروج الى مكان خارج بلغاريا وقد سميت عدة دول لذلك وكان من الممكن الخروج اليها والعيش فيها بأمان الى حين ان تسقط القضية بالتقادم، وكانت السفارة والخارجية ضد اي حديث حول تسليم النايف الى السلطات البلغارية خوفا من ان يتم ترحيله الى دولة العدو.
ثالثاً: قامت السفارة بواجبها بإيواء الاسير في مبنى السفارة مع إخفاء الأمر رسمياً عن السلطات البلغارية، كما وقامت بالتواصل المستمر مع جميع الجهات المختصة وذات الصلة بهذه القضية على المستوى الفلسطيني وخاصة البلغاري من اجل التوصل مع الجهات المختصة البلغارية بإلغاء طلب التسليم الاسرائيلي، كما وأمنت السفارة تواصل الاسير مع عائلته وأصدقائه، بل وأحياناً سمحت مبيت بعضهم معه في السفارة وكانت زوجته وأولاده يزورونه عندما يشاؤون ويؤمنوا له الطعام والثياب، كما وكانت زوحته تبيت عنده كل يوم جمعة وسبت.
رابعاً: تشكلت من بعض أبناء الجالية الفلسطينية لجنة متابعة لقضية الاسير ومنذ البداية كان التعاون بينها وبين السفارة الفلسطينية وثيقاً وحثيثاً وعقدت إجتماعات من اجل ايجاد مخرج من الازمة، وكان الموقف العام والمشترك هو ضرورة توفير خروج آمن للشهيد من السفارة الى خارج بلغاريا، بما فيهم موافقة هؤلاء الذين يقودون حملة الإتهام والتشكيك والتواطئ والتقصير ضد السفارة، على هذا الأمر، وإن هذا موثَّق بالصوت والصورة وقد أعلن السفير أمام الجميع وتعهَّد خلال اللقاء مع لجنة الجالية بإن عمر لن يخرج من السفارة إلى برضاه وقناعته، بل وبموافقته الخطيَّة.
خامساً: سارعت الجبهة الشعبية وبعض المؤسسات المحسوبة عليهم وذلك في وقت مبكر بإصدار بيانات اتهمتْ فيه السفارة بنيَّتها تسليم الاسير لإسرائيل وقد هددَّت وتوعدتْ وهذا ما وتَّر الأجواء وعرقل المساعي الحميدة.
سادساً: كان المشكل الأساسي هو في تردٍّد الاسير وتقلب مواقفه من بقائه في مبنى السفارة أو الخروج إلى بلدٍ آخر... ولقد لعبت عائلته واصدقاؤه "من خصوم السفارة" وذلك من باب المزاوَدة والمُماحَكة على تحريضِه على البقاء في السفارة وذلك بدعوى ان السفارة هي بيت الفلسطينيين وليست ملكا للسفير وموظفيها، على الرغمِ من علمهم الأكيد بان السفارة ليس المكان المناسب للاختباء به، كما وأنَّ موقف زوجته الأناني واللامسؤول لعب دوراً بالتأثير على موقف عمر، حيث كانت رافضةً وبشكل قاطع أمرَ مغادرته من السفارة الى مكان آمن خارج بلغاريا!..
ولقد اعلن العديدُ من ابناء الجالية ممن كانوا على تواصل مع زوجة الشهيد (بما فيهم بعض من كانوا في لجنة المتابعة وهم الآن من زعماء الحملة التحريضية على السفارة) عن استهجانهم من مواقفها وتأثيرها السلبي على قرارات زوجها.
بالطبع فإن كل هذه الأمور قد شوَّشت افكار الاسير وشكلت لديه ضغوطا نفسية كبيرة وشكوكا بنوايا من يريد مساعدته، فالسفارة من ناحية ويشاطرها هذا الرأي قسم كبير من ابناء الجالية كانت /لدواعي أمنية وحرصاً على سلامته/ ترى ضرورة خروجَه من السفارة الى مكان آمن خارج بلغاريا، بينما كان اصدقائه يرون عكس ذلك.
سابعاً: بعد وفاة الاسير بدأت الروايات عن عملية قتله والغدر به وعن تواطؤ وتقصير السفارة، ومما يؤكد أنها كاذبة وملفَّقة هو ما يوجد فيها تناقضات وعدم مصداقية، عدا عن أنها كانت تصدر عن جهاتٍ بعيدة آلاف الكيلومرات عن بلغاريا، وكانوا يصفون ما حدثَ للشهيد وكأنهم كانوا معه في السفارة وقت وفاته، فالرواية الأولى التي عمموها تؤكد بأنَّه قد هوجم بالسكاكين وقتل بالطعنات، وطبعاً هذا قد ألَّب الرأي العام، لكنه ثبت عدم صحة هذه الرواية على الإطلاق بعد القاء نظرة على جثة الاسير الخالية من اي طعنات، ثم وردت رواية أخرى من نفس الشخص عن تعرض الاسير للضرب المبرح في اماكن مختلفة في أنحاء جسده وقد أثبتَ التشريح عدم صحة ذلك واعلمت زوجة الشهيد بهذا بشكل رسمي من الجهات البلغارية، كما وصرح المدعي العام البلغاري خلال مقابلة صحفية له بأنه لا توجد اي علامات استعمال عنف على جسد الاسير، واضاف انه لا توجد لديهم اية ادلة تدل على ان ماحصل للنايف هو عملية قتل، ثم قالوا في بيان ثالث أنَه تعرَّض لمحاولة تسميم بغية إقناعه للذهاب للمستشفى ومن ثم تسليمه إلى السلطات البلغارية وبالتالي لإسرائيل، ولم يكن بالطبع هناك أي دليل على ذلك ولم تكن نتائج التقرير الطبي جاهزة، الا اذا كان من يصدر تلك الروايات وهو الذي كان قد اعطى الاسير قبل وفاته بخمسة ايام عشرة حبات مهدئة كما يسميها وكما قال بأنه هو ايضا يستعمل هذا الدواء، ونتساءل هنا لماذا لا يتم التحقيق مع هذا الشخص لانه قد يكون وبالتعاون مع الموساد قد قام بتزوير الدواء ووضع له حبوب اخرى قد تؤدي الى فقدان النايف للواقع او تسبب عنده انفجار نفسي؟
ثامناً: قامت السفارة وبعض أبناء الجالية بتأمين محامين أكفَّاء للدفاع عن الشهيد عمر حتى آخر لحظة، وبنفس الوقت فقد كانت هناك مساعي حثيثة لتوفير خروج آمن للشهيد من بلغاريا وليس سرا انه كان هناك عدة دول للخروج اليها، وكان الاسير يعطي موافقة مبدئية ثم بعد التشاور مع .......!!! يعود ويرفض تلك العروض.
تاسعاً: وإن كان هناك بعض أمور التقصير من حيث عدم وجود كاميرات مراقبة خارج وداخل السفارة، بالإضافة لعدم وجود حماية بلغارية دائمة للسفارة فإن هناك ما يثبتُ براءة وصدق نوايا السفارة مما حدث ويمكن تلخيصها بالآتي:
‌أ. إعلان السفارة ومنذ البداية وبصريح العبارة عن ان السفارة ليس المكان الاكثر امنا لاختباء الاسير طيلة لفترة طويلة، مما يبعد عنها أي شبهة ... ولا يمكن لوم السفارة على شفافيتها.
‌ب. طلبت السفارة من السلطات المحلية وضع حراسات دائمة على السفارة، ولكن لم يلبى هذا الطلب، وبقيت الحراسات عبارة عن دوريات تقف امام المبنى خمس دقائق لتعاود الكرة بعد 15 دقيقة.
‌ج. الحراسات الحقيقة التي يجب ان تكون هي حراسات مسلحة والسفارة لا تستطيع تأمين هذا الامر من طرف واحد لانه يجب موافقة الجانب البلغاري على اعتماد عدد من افراد قوى الامن الفلسطينية على ملاك السفارة، ومن المعلوم ان الخارجية البلغارية ومنذ شهر ديسمبر الماضي لم تعطي موافقتها حتى الان على اعتماد دبلوماسي جديد للسفارة، فما بالك بقوة امنية.
‌د. الحرص على تأمين تواصل الشهيد المستمر مع عائلته وأصدقائه والسماح لهم بزيارته حتى خارج اوقات الدوام الرسمي بل والسماح لهم بالمبيت معه، على الرغم من خطورة ذلك، كما وحاولت السفارة مراراً إقناع الاسير بأن يقيم في غرفة خصصت له في مبنى السفارة لمنع الاحتكاك مع الموظفين البلغار وزوار السفارة، إلا انه كان يرفض ذلك وبشدّة، ويعلل بأنه لا يستطيع النوم في غرفة سطحها منخقض نوع ما، بسبب ان هذا الامر قد يتسبب له بصداع و أزمة نفسية، ومع ذلك لم تضغط عليه السفارة للانتقال وبقي يعيش في الصالون الرئيسي للسفارة.
عاشراَ: يبدو واضحاً وجلياً من هذه الحملة الشرسة ضد سفارة دولة فلسطين وطاقمها وبالتحديد ضد شخص السفير بالذات، ان هذا ينبع من خلافات شخصية ومصالح أنانية ضيقة لمن يقومون بحملة التحريض الذي يصل إلى درجة الحقد الأعمى، حيث أن الهدف منها هو تصفية الحسابات والانتقام، والدليل على ذلك الرفض المسبق للتقرير الطبي قبل صدوره وإعلان عدم ثقتهم بالقضاء البلغاري وتوجيهم للتهم الجاهزة للسفارة ولبعض ابناء الجالية ممن يعارضوا أفكارهم وأسلوبهم، والمطالبة حتى بأسلوب التصفيات وهذا مما نتبينه ونراه في شعاراتهم المرفوعة وهتافاتهم في المظاهرات التي ينظموها امام السفارة الفلسطينية وليس الإسرائيلية وامام القضاء البلغاري وهذه التظاهرات تخدم العدو الاسرائيلي بالدرجة الاولى وكنا نتمنى ان ينظم هؤلاء تظاهراتهم واعتصاماتهم امام سفارة العدو الذي هو السبب الرئيسي في استشهاد الاسير النايف.
ان المستفيد الوحيد من التصعيد الجاري قي قضية الشهيد من قبل من يسمون انفسهم اصدقاء او رفاق عمر ومن قبل حزبه وعائلته يصب في مصلحة اسرائيل مئة بالمئة ويعد تبرئة للاحتلال وزرع بذور فتنة داخلية، وهنا نجد ان العملاء سوف يكونوا من اوائل المدافعين والمطالبين بتجريم الجهات الفلسطينية وحرف الانظار عن الحقائق خدمة لأجندة بني صهيون.
نأمل ان يتغلب العقل على العاطفة وان يتم فضح العملاء العاملين على توتير العلاقات الفلسطينية الفلسطينية والفلسطينية البلغارية، ولنترك التشريح والتحقيق للخبراء، وننتظر التقرير الجنائي ماذا سيقول وعندها لكل حادث حديث.
ونقول ختاماً، إنَّ شهيدنا عمر ذهب ضحية فائضٍ في الكلام وقلّةٍ في العمل .... ووقع ضحية المزايداتُ والمناكفاتُ وحربُ تسجيل المواقف ان كان من جانب عائلته أو حزبه أو أصدقائه.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف