منذ اعلان «الاستقلال»، كان الدستور الوحيد الموجود في دولة اسرائيل هو دستور الأمن. في 68 من سنوات الدولة لم يوجد بعد رئيس وزراء آخر، من دافيد بن غوريون وحتى بنيامين نتنياهو، يخلف وراءه جملة من القواعد والقيم الاساس التي تقرر طبيعة اسرائيل. وحتى اعلان «الاستقلال» يصعب اليوم جمع تواقيع عليه من كتل الكنيست. وحتى القوانين الاساس الرامية الى الحلول محل الدستور لا تجاز في السنوات الاخيرة، خيراً كان ام شراً، حيث إن كل قاض ومستشار قانوني يفعل ما يراه مناسبا، والأمن هو واحد من أربابنا.
فالجميع متفقون على الأمن. كل ما يتبقى هو تفسير ما يعنيه هذا. وعبر هذا المنظور يمكن ان نفهم الموقف من جمع شمل العائلات الفلسطينية (في ظل انعدام وجود قانون أساس عن الدولة القومية او تعريف اسرائيل كدولة يهودية يتم شرح رفض جمع الشمل بالأمن)، البناء في «يهودا» و»السامرة»، تقييد حرية التعبير، وكذا الفوضى في منطقة «جبل البيت» (الحرم).
في الدستور غير الموجود عندنا توجد حرية عبادة. فهي مصدر فخارنا. فالدولة الحرة الوحيدة في الشرق الاوسط فيها حرية عبادة لليهود، للمسيحيين وللمسلمين من كل التيارات. لـ «نساء المبكى» مسموح مباركة من يشأن قدر ما يشأن، واذا ما ثارت جلبة فسيوجد حل. هكذا ايضا لليهود الذين يريدون أن يصلوا، ان يتزوجوا، او أن يتباركوا بــ «جبل البيت». وحسب هذا الدستور الخيالي، في كل ارض توجد تحت سيادتنا يوجد لكل واحد الحق في أن يصلي لما يشاء وكيفما يشاء، ومن يغتاظ يمكنه ان يقفز. يوجد دستور وهو يسمح بحرية العبادة، والى جانبها حرية التعبير وغيرها من حقوق الفرد التي قررها الاباء المؤسسون. وهي بمثابة عيد الحرية طوال السنة.
اتابع «أمناء جبل البيت» في السنوات الاخيرة. بعضهم يعانون في نظري من متلازمة القدس، يجن جنونهم بالمدينة، بالتقاليد، بالاساطير والقصص، ويوجد على ما يبدو بينهم من يسمع الأصوات والبروق. آخرون، مثل يهودا غليك، يتحدثون بالذات بمنطق جم ويمثلون أملا في واقع أقل عنفا. أما لماذا ينشغلون بـ «جبل البيت» فهذا اقل أهمية لغرض الموضوع. قصتهم هي قصة جدال على حقوق دستورية.
«امناء جبل البيت»، مثل «نساء المبكى»، يتحدون دولة اسرائيل بالذات في المكان الذي ينقصها. يؤلمونها في منطقة اليد المجدوعة. وفي غياب دستور، لا يمكن فصل مطالبات «امناء الجبل» بالصلاة في المكان الاكثر قدسية لليهود عن مطالبات «نساء المبكى» بالمباركة في ساحة «المبكى»، عن مطالبات الحركة الاصلاحية بالسماح لكل غطس في المطاهر العامة، او الارثوذكسيين الليبراليين لاقامة منظومة تهويد وحلال لا تتعلق برحمة الاحتكار الحريدي / الاصولي. لهم جميعهم توجد حجج، وكلهم يغيظون أحدا ما، وكلهم يفترض ان تكون لهم محكمة تعطي جوابا وتقرر حدودا. ويفترض لكلهم ان يكون جواب من النظام، لولا ما يسمى عندنا الموضوع الامني. بديل الدستور الذي تأسس على اساس احتمال الضرر.
وعندما يكون هذا ما نشأ منذ اقامة الدولة وحتى اليوم فالقوي ينتصر. من يهدد أكثر ويضر أكثر يقرر السياسة. رب البيت الذي يجن جنونه يملي على جهاز القضاء، حتى لو لم يكن رب البيت. لا يوجد وضع راهن لمن لا يهدد ويعرض المحيط للخطر، أي لليهود.
نعود الى مثال «نساء المبكى». أنا مع نساء هن ذوات اراء نسوية ومتدينات. «مباركات الكاهنات» وان كانت غير متبعة في أي كنيس يهودي في العالم، ومع ذلك، هذا حقهن. وعليه فقد سمح لهن باجراء الطقوس رغم غضب الاصوليين. والان تخيلوا مجموعة نساء مسلمات من ذوات الاراء النسوية، مواطنات اسرائيليات، يطلبن أن يؤذنّ في الحرم. هل ثمة شك ما هي نهاية مثل هذه المبادرة؟ فعندما يدور الحديث عن حرية العبادة حيال العرب، يقول الدستور الامني غير المكتوب انه من الافضل عدم عمل أي شيء. لا منطق، لا حرية عبادة، فقط امكانية الضرر الكامنة.
افهم جيدا المبررات الامنية لمنع الصلاة في «جبل البيت»، حتى لو أصبح هذا سخفا. ما ينبغي أن يقلق الاسرائيليين هو أنه بخلاف الدستور فان المبررات الأمنية تتغير. الأمن مهم، ولكنه ليس بديلا عن تحديد الطريق.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف