في أصوله فإن الفصح هو عيد صنمي يؤشر إلى حلول الربيع. أما اليهود فمنحوه زيادة في المعنى: الحرية. ولعل الامرين مرتبطان أحدهما بالآخر، إذ إن النبتة تخرج من حبس الارض والجدي من حبس الرحم. وقد خلطت الصهيونية المعاني. انطوت عودتنا إلى وطننا على قطع لقيود المنفى وعودة الى الطبيعة. ولكن الطبيعة التي عدنا إليها هي طبيعة استعبادية، ليست طبيعة الصيادين بل طبيعة فلاحي الارض المرتبطين بارضهم، بنظام الحراثة، البذر والحصاد ومواعيد حلابة الابقار. هكذا قدر لنا من اللحظة التي طردنا فيها من جنة عدن، حيث كنا معفيين من العمل والفكر في جوهرنا. حظينا بالوعي، ولكن الرب حكم علينا بعرق الجبين – ولاحقا يتبين أن قطعا سميكة من خبز الفلاحين تقطع من أجل باعة الخضار، الحليب والبيض، منتجي الغذاء المحفوظ واصحاب شبكات البقالة. نتائج الطرد من جنة عدن تدحرجت في شكل الفلاح العبري الذي يربط كيس البذور على خاصرته فيبذرها بديه المبسوطة. والنص الذي يزين الصورة هو «الباذرون بالدمع يحصدون». يبذرون ويبكون. هذه الصورة الاكثر انتشارا في اعلانات المؤسسات الصهيونية. الفلاح، لنفترض أنه على صورة المستوطن في عيمق يزراعيل، يعمل تبعا لقيود الواقع، يغرس في الارض، والطين يعلق في حذائه. واعتقد أن هذا مثال جميل على الحرية التي تنطوي على الاستعباد الطوعي، وان شئتم فانه خلاصة القصة الصهيونية. لهذه القصة بعدان: التطلع الى حرية الانسان والذي هو تطلع كوني، وحرية الامة، التي هي الحالة الخاصة للشعب اليهودي. لا مجال للهزء بالدعائيين الصهاينة في انهم لم يضيفوا الى الاعلان قصة «خلاص الأرض» التي اشتريت من أسيادها وجرى سلب الفلاحين ولاحقا طردهم ايضا. واعتقد انني لن اخطئ بمثالية الصهيونية اذا قلت انه بالذات في العهد الاول للاستيطان حاول على الاقل بعض من الواعين والحساسين من بين الاوائل، ان يسووا التناقض اللاذع بين وحشية حركة التحرر الوطني خاصتنا وبين المعرفة بالمصيبة التي فرضتها على العرب من سكان البلاد. فقد وقعوا في خطيئة الازدواجية، ولكن مثلما قال احد الحكماء فان «الازدواجية هي الكفارة التي يدفعها الشر لمقاييس الخير». والناس عديمو الضمير لا يحتاجونها، وبالفعل فان احدى مزايا اصحاب الميل السائد في الصهيونية الراهنة هي التخلي عن الازدواجية. البلاد كلها لنا هي، وقريبا سيقام هيكلنا. المشكلة هي ان هذه الراحة تنطوي على الاستعباد. وهنا نعود الى عيد الفصح. بحثتُ عن قول يصف ما هي الحرية، ووجدته في كتابات بيوتر كروفوتكين، مفكر عدمي من القرن التاسع عشر: «حرية الانسان ليست سوى خضوعه لقوانين الطبيعة لانه هو نفسه يعترف بها كذلك، وليس لانها فرضت عليه بارادة خارجية ما، الاهية أو بشرية، جماعية أو شخصية. ببساطة: لا الرب ولا السيد. الانسان الذي يخضع نفسه لفرائض الدين، مثلما يفسرها الحاخامون الذين هم انفسهم استعبدوا عقولهم للفقه الذي فسره اسلافهم، ليس انسانا حرا. الانسان الذي يعتقد بان الرب العتيق هو ثري جديد يحتاج الى قصر على الطراز الهللنستي، اواني ذهب، مذابح وخدم – ليس انسانا حرا. الانسان الذي يحيي عيد الحرية بمظاهرة استعباد، هو عبد لا يلاحظ عبوديته. وكتب كروفوتكين يقول ايضا: «انا حر حقا فقط عندما يكون كل ابناء الانسان، رجالا ونساء، احراراً مثلي. حرية الاخرين ليس فقط لا تتناقض او تقيد حريتي بل هي فرضيتها المسبقة وتأكيدها». ببساطة: طالما لم يتحرر الفلسطينيون وتواصل استعبادهم، لن نكون أحرارا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف