في نهاية تشرين الأول 1948 عندما تم حسم حرب «الاستقلال»، خرج الجيش الاسرائيلي في عملية سريعة باسم «حيرام». وكان الهدف منها كما قيل طرد «جيش الانقاذ» (الصغير) التابع للقاوقجي واعتبار الحدود الانتدابية للبلاد، الحدود الشمالية. في وصف هذه العملية هناك قول دارج وهو أنها «عملية معقدة جدا» (دبابات، سلاح مشاة، وسلاح جو). فقط في الخلفية يظهر التطهير العرقي للفلسطينيين من سكان الجليل. الأعمال الفظيعة نفذها جيش قوي لم تكن لديه مشكلة في احتلال تلك المناطق بدون مذبحة. لكن المذبحة كانت مفيدة للخطة العامة. وكان الهدف سكان القرى المسلمين لإجبارهم على الهروب. انتشرت الأنباء حول فظائع الجليل بسرعة، بعض القادة ومنهم قائد الجبهة، كانوا ينتمون في حينه للحزب الذي طلب من المؤسسة الامنية تقريراً. اسرائيل غاليلي، عضو الحزب ومن رؤسائه، حدّث اللجنة السياسية لـ «مبام» فقط عن الكتيبة 7 (ولم يتحدث عن الجرائم الاخرى)، حيث تم هناك ربط 52 شخصاً بحبل وإنزالهم الى بئر واطلاق النار عليهم. 3 حوادث اغتصاب، بما في ذلك اغتصاب طفلة تبلغ 14 سنة من عمرها. وتم قتل امرأة وطفلة و11 شخصا آخرين. في سعسع (التي هي اليوم ساسا) «تم تنفيذ قتل جماعي رغم أن الناس رفعوا الاعلام البيضاء. وتم طرد القرية كلها». وفي الصالحة التي هي اليوم افيفيم «تم تفجير بيت فيه 94 شخصاً». هذه التفاصيل جاء بها بني موريس من الأرشيف، ووصف المزيد من المجازر. عنصريته ساعدته في نفي بعض الادعاءات عن طريق استخدامه المتكرر لـ «الخيال الشرقي». لكن الخطر الوجودي لم يكن قائما كمبرر للجيش أو دافيد بن غوريون. قائد «المفدال»، موشيه شابيرا، كان على رأس المنتقدين. وزير الأقليات، باخور شتريت، طلب، وبغطاء من «مبام»، اعادة لاجئي القرية المسيحية عيلبون من لبنان. وبالفعل عادوا الى قريتهم. أما الباقون الذين تعرضوا للمجازر أو اللاجئون، فقد غطت عليهم العبرية بالكثير من الحجج والاكاذيب. التفاصيل المعروفة منذ أكثر من ربع قرن لكل من يريد أن يقرأ، لا يجب أن تؤثر على فرحة «الاستقلال»، وأنا أتحدث عنها في سياق الجندي اليئور ازاريا الذي يحاكم الآن في المحكمة العسكرية. المجازر التي حدثت في خريف 1948 والتي لم تتم محاكمة أحد بسببها. يجب أن نذكرها أمام القول «إنهم دائما تصرفوا هكذا. وهم فقط يهاجمون ازاريا بسبب أصله». هذا الزعم له أقدام، والاقدام هي أقدام اشخاص حقيرين، دم العرب رخيص في نظرهم، سواء كانوا من «الفاميليا» أو مثرثرين حول «سياسة الهوية». القاسم المشترك بينهم هو محاولة تحويل القتل في الخليل الى «خلاف بين الطوائف». أوصي الآخرين، ولا سيما اولئك المزعزعين من مؤيدي أزاريا، بالاستماع الى اصوات المدفونين تحت الارض، أو متابعة نشاط جمعية «يتذكرن» أو استخدام التطبيق الممتاز لهن من أجل معرفة الأماكن الصامتة تحت أقدامنا الراقصة. لماذا؟ لأنه لا يمكن للمجتمع الاسرائيلي أن يعيش من دون أن يراجع ماضيه. الجرائم التي قامت عليها الدولة تستمر في حصد الضحايا. ومنح المبرر للجرائم. سلطة القانون لا يمكنها أن تستمر في الانكار مع ثقافة «التحقيقات الدراماتيكية» حول احداث فردية تزيد من نسبة المشاهدة وتساهم في بقاء الدم العربي رخيصاً. وكأن القصة هي حادثة فردية وما دون ذلك هو جيد. إن ما فعله الأميركيون الاستراليون تجاه ماضيهم الكولونيالي، تستطيع اسرائيل أن تفعله ايضا. لا توجد سلطة قانون بدون قانون. ومن هنا فقط تبدأ سلطة القانون التي لم تحفر بعد في حياتنا وتسمح بسفك دماء العرب.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف