التغريدات المقلقة لبتسلئيل سموتريتش، حول الفصل في قسم الولادة وغيرها، هي فقط اجزاء من فسيفساء القناعات التي يحملها. فما هو الحلم الصهيوني الكبير إن لم يكن فانتازيا حول دولة لليهود فقط، قطعة بلاد نقية ولدت من رعب التاريخ، دولة فيها نعيش مثل جالية مطاردة في فيلم خيال علمي، تدير حياتها تحت قبة ضخمة، شفافة ولا يمكن اختراقها، تفصلنا عن العالم الخارجي. انه ليس مفاجئا أن ادوات الدفاع الاساسية لاسرائيل في مواجهاتها الاخيرة سميت القبة الحديدية.
اتركوا هولي لاند أو ستارت أب نيشن. الاسم الثاني لاسرائيل يجب أن يكون دولة الفضاء الآمن مثل الفضاءات الآمنة التي ظهرت في السنوات الاخيرة وتقوم بسحب الجامعات في الولايات المتحدة وبريطانيا – حيث يسمح للطلاب المنتمين للاقليات من ناحية الميول الجنسية، والجنس والعرق أو الاعتقاد، البقاء في المكان الذي لا يتعرضون فيه للتهديد من قبل المختلفين عنهم. اسرائيل ايضا في جوهرها هي فضاء آمن ومصطنع للشعب اليهودي، الذي ولد ضد الغرب وكرد على الكارثة التي مرت عليه في اوروبا.
جزء من التجربة المركزية للاماكن الآمنة هو قدرة الاقليات على التركيز على هويتهم دون ازعاج. ايضا للشعب اليهودي هناك حاجة بعد المحرقة لمكان نظيف ومنفصل، يستطيع فيه اعادة ترتيب هويته ومستقبله ويكون محاميا ليس فقط من عنف الآخر، بل ايضا من تواجده ومن هويته.
رغم ان الفضاءات الامنة يجب ان تدافع عن الاقليات في المجتمع الغربي، فان معارضيها زعموا انه تحت غطاء الاستقامة السياسية فهم يهددون عمليا حرية التعبير. انها اماكن صغيرة ومحمية لعدم تحمل الآخر ممن لا ينتمي لتلك الاقلية المعينة التي يتم استخدامها بشكل متطرف في رقابة اللغة والثقافة. هل يبدو هذا مألوفا؟.
في اسرائيل ايضا ما يحرك اسكات الحوار هو الى حد كبير الحساسية الزائدة وغياب الحساسية تجاه الآخرين. كم الافواه موجه نحو من هم غير يهود وضد كل من لا يؤيد موقف الاغلبية المسيطرة.
تمثال ساسيل رودز، من رؤساء الامبريالية البريطانية في جنوب افريقيا، كان مؤخرا محور نقاش متقد في جامعة اوكسفورد، بعد ان طلب طلاب ازالته مدعين انه يلحق الضرر بمشاعرهم. في اسرائيل تطالب وزيرة الثقافة والرياضة الفنانين بتفسيرات حول ابداعات فنية قد تلحق الضرر بنظرها بمشاعر الشعب اليهودي، بعض الطلاب في هارفارد طلبوا من احد المحاضرين عدم استخدام افعال مثل «اغتصاب» أو «المس بحرمة» في محاضرة حول مخالفات الاقتصاد. في اسرائيل وافقت الحكومة على اقتراح قانون يمنع استخدام رموز واسماء نازية.
صحيح ان اسرائيل ولدت كمكان لجوء لمجموعة ملاحقة، لكنها لم تتنازل عن دورها كمنطقة طاهرة، حتى بعد أن تحولت الى كيان يحتل ابناء اقلية اخرى، تلك الاقلية التي تعاني من الكراهية لأنها الشيء الوحيد الذي يمنع الاسرائيليين من الاستمتاع من الدولة الفاضلة في المكان الطاهر والآمن.
إن الانغلاق والتطرف لدينا لن يغير الاتجاه. ففي النهاية هذا بالضبط حلم الحاكم بالقبعة: احاطة ذاتية أبدية بالجدران والعوائق من اجل الدفاع في وجه الحيوانات المفترسة المحيطة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف