يجب عدم تأييد المقاطعة الدولية لإسرائيل. وبدل ذلك يجب بلورة تأييد مدني اسرائيلي داخلي من اجل تقسيم البلاد. هذا ما كتبه، الاسبوع الماضي، الوف بن ("هآرتس"، 28/4). حركة المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل الـ "بي.دي.اس" من شأنها فقط أن تحرك على المدى البعيد اسرائيل وتدفعها الى تحرير الشعب الفلسطيني، كما زعم جدعون ليفي (1/5). ولكن بين هاتين النظرتين القطبيتين هناك طريق ثالثة لم تُجرب بالكامل: مقاطعة اقتصادية، ثقافية، ومؤسساتية شاملة لمشروع الاحتلال والمستوطنات في مناطق 1967. اقتراح الوف بن، الذي يؤمن بامكانية اقناع المواطنين الاسرائيليين العاديين بأن يدفعوا حكومتهم الى وضع حد للسلب والاهانة لشعب آخر، يميل الى نوع من المثالية. فلم يولد بعد الشعب الذي سيتنازل بارادته عن الامتيازات وعن التفوق والسيطرة العليا، طالما أنه لم يدفع ثمناً مادياً كبيراً لذلك. في المقابل، طريق حركة "بي.دي.اس" ليست مستقيمة من الناحية السياسية والاخلاقية، حينما تعكس صورة عكسية للمنطق غير المتساوي لليمين الاستيطاني الاسرائيلي: مثلما أن حكومة الاحتلال التابعة لنتنياهو تنشئ واقع الدولة الواحدة من اجل انهاء جهود العرب الفلسطينيين لتحقيق حقوقهم في تقرير المصير، هكذا ايضا جهات اساسية في "بي.دي.اس" تسعى الى بناء الدولة الواحدة انطلاقا من العداء الواضح لحق تقرير المصير لليهود الاسرائيليين. مقابل هذين الموقفين، المقاطعة الدولية التي تركز على مناطق الاحتلال هي خطوة حكيمة وصادقة في الوقت ذاته. حكيمة لأنها مبنية على الموافقة الواسعة القائمة أصلا في المجتمع الدولي الذي يعتبر أن المستوطنات غير قانونية، وصادقة لأن الهدف هو تحقيق المساواة في حق تقرير المصير للاسرائيليين والفلسطينيين بين النهر والبحر. إن تبني سياسة وسم بضائع المستوطنات من قبل الاتحاد الاوروبي ورفض حكومة البرازيل المصادقة على تعيين داني ديان سفيرا فيها من شأنه أن يتضح كشرارة أساسية أولية للتغيير الفعلي في تعاطي المجتمع الدولي تجاه مشروع الاحتلال والمستوطنات. وليس صدفة أن هذه الخطوات تثير ردود الضائقة في حكومة نتنياهو، رغم أن حركة "بي.دي.اس" ما زالت بعيدة عن الحاق الضرر بها. التوجه المتزايد في المجتمع الدولي من اجل تعميق وتحديد التمييز بين الحدود الشرعية لتقرير المصير الاسرائيلي وبين "المناطق" المحتلة، التي تتجاوز هذه الحدود، يثير لدى اليمين ردودا هستيرية تؤدي احيانا الى فقدان التوازن. هذه النجاحات الأولية على الجبهة الدبلوماسية تؤشر بشكل واضح كيف يجب أن يتجه الصراع الاسرائيلي والدولي ضد نظام الاستعباد للشعب الفلسطيني. الـ "بي.دي.اس" هي كما قال جدعون ليفي "اللعبة الوحيدة في المدينة". ولكن من اجل الفعالية السياسية والاستقامة السياسية والاخلاقية يجب التشديد على ضرورة أن تتم هذه اللعبة في الملعب الموجود في المناطق الكولونيالية الاسرائيلية. وبذلك تتم المصادقة على شرعية اسرائيل السياسية في الحدود الدولية المعترف بها، هذه الشرعية التي تصمم حكومة نتنياهو على ضعضعتها مرة تلو الاخرى.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف