ستكون الايام القريبة القادمة حساسة على نحو خاص في الجنوب. فـ»حماس» واسرائيل تقفان في النقطة الاكثر خطورة التي وصلتا اليها منذ «الجرف الصامد». فالطرفان لا يريدان المواجهة، ولكن المعركة التي نشبت، هذا الاسبوع، على الأنفاق يمكنها أن تؤدي بهما الى هذا المنحدر. في الشهر الماضي أصاب رئيس وزرائنا نوبة الكشف عن أسرار أمنية. دعكم من أنه انتزع من العالم تصريحات بان الجولان لا يعود لاسرائيل، وكذا كشفه النقاب عن عشرات الهجمات التي تمت سرا في سورية؛ فان التصريح المتبجح الذي كشف النقاب عما كان يعتبر أحد الاسرار الدفينة لاسرائيل – تطوير تكنولوجيا لاكتشاف الأنفاق – ألحق بنا ضررا امنيا فوريا. لقد اضاء هذا القول كل مصابيح التحذير لدى رجال «حماس» ودفعهم الى أن يفهموا بان كشف النفق قبل بضعة اسابيع لم يكن صدفة. ففتحوا عيونهم، ورأوا مئة آلية هندسية للجيش الاسرائيلي تعمل على حدود القطاع. وجمعوا الواحدة بالاخرى فاذا بهم يفهمون بانه يحتمل أن يكون لدى اسرائيل حل تكنولوجي لأنفاقهم. لقد أدخل هذا، الذراع العسكرية لـ»حماس» في معضلة: فهل يقعدون جانبا وينظرون الى اسرائيل وهي تكتشف واحدا إثر آخر الانفاق التي حفروها من غزة؟ أم ان يسارعون لاستخدام هذه الانفاق وتصدير العمليات الى داخل اسرائيل من خلالها؟ في جهاز الامن يقدرون بانه منذ «الجرف الصامد» أنهت «حماس» حفر عدد لا بأس به من الانفاق التي تصل الى الاراضي الاسرائيلية، ورممت بضعة انفاق أخرى هدمت جزئيا في «الجرف الصامد». في «حماس» وفي اسرائيل على حد سواء يفهمون بالضبط معنى عملية كهذه: جولة قتال اخرى، تؤلم اسرائيل اكثر من «الجرف الصامد»، ولكن ستجلب على غزة خرابا من المشكوك فيه أن تتمكن من الانتعاش منه. لقد كادت «حماس» تتبقى اليوم بلا اصدقاء وأسياد. تركيا وقطر لا تزالان تدعمانها، وهي تدير اعمال جس نبض مع ايران لا تنضج، ولكن معظم العالم العربي لا يهتم بغزة حقا. وعليه، فان القيادة السياسية لـ»حماس» تفرض كبح جماح على الذراع العسكرية وقادتها – محمد ضيف، يحيى السنوار، ومروان عيسى – الذين باتوا يشعرون بانهم ناضجون لاستئناف القتال مع اسرائيل. أما القيادة السياسية – خالد مشعل، موسى ابو مرزوق، واسماعيل هنية – فيوضحون لهم بان هذا ليس الوقت. يوجد الآن للذراع العسكرية حجة أقوى بكثير: ملايين الدولارات وآلاف ساعات العمل التي بذلت في الانفاق من شأنها أن تضيع هباء منثورا اذا تعلمت اسرائيل كيف تكشفها. وفي هذه الاثناء اختارت الذراع العسكرية اطلاق الاشارات: اطلاق نار قذائف الهاون بجوار قوات الجيش الاسرائيلي، ليرسم لاسرائيل بانها توشك هنا على تجاوز الخط. اما اسرائيل فعلى وعي تام بمعضلة «حماس»، ولكن ليس للجيش الاسرائيلي أي نية لوقف الجهود للعثور على الانفاق، بل العكس: هذه هي المهمة الاولى في سموها والتي حددها رئيس الاركان للجيش في السنة الحالية، والجهود ستستمر بشدة أكبر. من ناحية آيزنكوت، فان الجيش الاسرائيلي ملزم بان يعثر على ويدمر كل الانفاق، حتى بخطر التدهور الى مواجهة في غزة. ولكن لدى اسرائيل خيار آخر: فالى جانب المقدح الذي يحفر الآن كي يكشف عن الانفاق يمكن ان تمد لغزة يد انسانية تعطيها أملا. وقريبا سينعقد «الكابنت» في بحث جدي أول في اقتراح للسماح لغزة بإقامة ميناء. الجيش الاسرائيلي يؤيد هذه الخطوة بالفم المليء، وكذا الوزراء نفتالي بينيت، يوآف غالنت، واسرائيل كاتس. ومقابلهم يقف في معارضة عنيدة رئيس الوزراء ووزير الدفاع. اذا ما فاق صوت المؤيدين فان اسرائيل سيكون بوسعها أن تطرح على «حماس» اغراء يتغلب على صوت من يدقون طبول الحرب من الذراع العسكرية. ميناء في غزة سيحرر اسرائيل أخيرا من مسؤولية اطعام سكان القطاع، او توفير الاسمنت (الذي يوجه بعضه الى الانفاق) والحديد (الذي يوجه بعضه لانتاج الصواريخ). وهو يعطي غزة استقلالا وينتج عزلا بينها وبين الضفة – ما سيخدم اسرائيل فقط، إذ إن الحديث يدور عن مجموعتين سكانيتين ومشاكل مختلفة جوهريا تتطلب سياسة مختلفة ومنفصلة. يمكن للموافقة الاسرائيلية على الميناء ان ترفع علاقاتنا مع غزة الى مسارات اخرى. وللحديث بين الطرفين آلية خاصة به، وهو يغير الواقع. ينبغي التحرر منذ الآن من القول العليل بانه لا مجال للحديث مع من لا يعترف بنا. فالناس يتحدثون مع الاعداء ومع الانذال على حد سواء – اذا كان هؤلاء هم الجيران الذين ينبغي ان تتحقق معهم هدنة. أما البديل فهو مواجهة اخرى تؤدي بنا بالضبط الى ذات النقطة، باستثناء أنها ستفعل ذلك مع عدد اقل ببضع عشرات من الاسرائيليين ممن لن يتمكنوا من مواصلة حياتهم. هكذا ايضا في «يهودا» و»السامرة»: فالجيش والمخابرات الاسرائيلية، الى جانب سياسة مكبوحة الجماح يقودها وزير الدفاع، نجحا في أن يخفضا جدا عدد العمليات. في نيسان انخفض عدد العمليات الى الحجم الذي كان عليه قبل تشرين الاول من السنة الماضية. ظاهرة «ارهاب» الافراد لا توشك على الاختفاء تماما، ولكنها في ميل هبوط. ولكن هنا ايضا، كما يحذر الجيش، لن تكفي جهود الاحباط. فاذا لم تعرف اسرائيل كيف تتصدر خطوات تعطي ايضا أملا للفلسطينيين فسيؤدي الاحباط الى انفجار متجدد. ومقابل الجيش الاسرائيلي، فان رئيس المخابرات المنصرف، يورام كوهين، حرص في كلمته الوداعية امام الحكومة على التقليل من مساهمة اجهزة الامن الفلسطينية والتعارض مع موقف الجيش. كجهاز له مهمة اساسية واحدة – منع «الارهاب» – اتخذ جهاز المخابرات دوما صورة من لديه رؤية ضيقة، رؤية تنظر الى العالم عبر منشور احباط «الارهاب». ويخيل أنه في سنوات يورام كوهين الخمس، تقلصت هذه الرؤية أكثر فأكثر. ويوم الاحد سيدخل الى المنصب نداف ارغمان، وهو محاط بكثير من التوقعات لان يعيد الى الجهاز البريق والتأثير الذين كانا له في الماضي.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف