- الكاتب/ة : نير حسون
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2016-05-10
من غير عطاء وخلافاً للاجراءات قامت الدولة بمصادرة أرض تعود لعائلة فلسطينية من شرقي القدس، ومنحتها لشركة «أمانة» التي تعمل على بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية. بدأت «أمانة» في البناء في هذه الأرض في الاشهر الأخيرة، حيث تبني الشركة مبنى كبيرا يفترض أن يكون مكاتب تابعة لها. الوثائق التي تم تقديمها في اطار الدعوى الادارية من قبل اصحاب الارض ضد نقل ملكية الارض تكشف أن الأرض تم منحها للشركة رغم أنها ليست ملكاً للدولة: تم تجهيز الخطة والمصادقة عليها دون معرفة أصحاب الأرض الفلسطينيين بمصادرة أرضهم. خريطة التقسيم في هذه المنطقة تم اعادة رسمها من اجل «المصادقة» على المصادرة. وقد تم اخفاء الوثائق عن اصحاب الأرض. وقد رفضت المحكمة المركزية في القدس الدعوى، وقبل اسبوع تم تقديم استئناف لمحكمة العدل العليا. «أمانة» شركة أنشئت من قبل «غوش ايمونيم» في العام 1979، وهي الجسم السياسي الأهم في اقامة المستوطنات الجديدة وتوسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية. وقد ظهرت الشركة في العناوين قبل اسبوعين بعد التحقيق مع مديرها العام زمبيش والمحاسب موشيه يوغف بتهمة الفساد. وقد اشتهرت الشركة من خلال قصة شركة «الوطن» التي اهتمت بشراء الاراضي من اصحابها الفلسطينيين وتورطت مرة تلو الاخرى في صفقات تزوير. إن أساس قضية البناء يمكن ايجاده سنة 1968. بعد حرب «الايام الستة» بسنة قامت الدولة بمصادرة مساحة تبلغ 4 آلاف دونم شمال البلدة القديمة «للاحتياجات العامة»، وقد تم إنشاء التلة الفرنسية ورمات اشكول على هذه الارض، ومكاتب الحكومة القريبة من الشارع رقم واحد. وحاول اصحاب الارض الفلسطينيون مقاومة أمر المصادرة، لكن طلبهم قوبل بالرفض. وفي التسعينيات قيل إن المصادرة تمت حسب خطط بناء قامت الدولة بتجهيزها. وقال الممثلون إن جميع المناطق التي كانت الدولة تحتاجها في منطقة الخط الاخضر تمت مصادرتها. ومن المناطق التي صودرت اراض تابعة لعائلة أبو طاعة، وهي عائلة فلسطينية كانت في الأصل تسكن قرية لفتا، واليوم هي موزعة في شمال القدس. ولكن قطعة ارض تعود للعائلة، على شكل مثلث تبلغ 3 دونمات حيث توجد اليوم بالقرب من مقر الشرطة القطري، لم تُشمل في أي خطة خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. وحسب القانون فان مصادرة الارض تشمل مرحلتين: اعلان الدولة نية المصادرة، والمصادرة الفعلية. صحيح أنها كانت في دائرة المصادرة، إلا أنها لم تكن في اطار الخطة التي قامت البلدية بوضعها وبموافقة الدولة، الأمر الذي يعني أنه رغم التصريح الذي صدر في العام 1968، فان الارض لم تصادر. على مدى هذه السنين اهتمت العائلة بالارض. وفي المقابل، بعيدا عن العيون، تم اتخاذ اجراءات أدت في نهاية المطاف الى مصادرة هذه الدونمات الثلاث لصالح «أمانة». «عندما جاء إلي أبناء عائلة أبو طاعة وقالوا إنهم تسلموا أمرا باخلاء المنطقة، بدا هذا غير منطقي»، قال المحامي ستيفن بيرمان، ممثل العائلة. بيرمان مختص بالمصادرة. وعلى مدى 16 سنة كان مستشارا قانونيا لقسم الاملاك في بلدية القدس ودافع كثيرا عن البلدية والدولة في وجه العائلات العربية في الدعاوى المتعلقة بمصادرة الاراضي. وحسب أقواله، يتذكر أنه «في سنة 1990، في قضية محمد زكي نسيبة وسمير شرف، أعلنت ادارة اراضي اسرائيل أن خطة البناء تشمل كل الاراضي التي صودرت. أي أن الدولة أعلنت أنها أخذت كل ما أرادته، وليس هناك اراض اخرى تحتاجها الدولة». وراء الحدود عملية السيطرة على الارض ونقلها لشركة «أمانة» بدأت في آب 1992 بعد تشكيل حكومة رابين ببضعة اسابيع. ويبدو أنه قبل نجاح الحكومة الجديدة بكبح هذه الخطة تم توقيع اتفاق بين دائرة اراضي اسرائيل وبين «أمانة». وهو يقول إن الشركة حصلت على «وكالة تخطيط» للأرض. واضافة الى ذلك، حسب الاتفاق الذي لم تعرف عنه عائلة أبو طاعة، فان «أمانة» ستحصل على الارض من غير عطاء شريطة أن تقوم بتجهيز خطة بناء حتى تموز 1993. ولكن تم تجميد الخطة في حينه بسبب تعاطي حكومة اليسار مع المستوطنين، في ذلك الحين أقامت الحكومة لجنة كلوغمان، التي كتبت تقريرا حول المساعدة غير القانونية لدائرة اراضي اسرائيل للمستوطنين في شرقي القدس. ويبدو أن الظروف لم تكن ملائمة لتنفيذ المشروع. بعد مرور خمس سنوات، في العام 1997 وفي ظل حكومة نتنياهو الأولى، تجدد التعاون وتم توقيع اتفاق جديد دون معرفة اصحاب الارض بذلك. وتم سن قانون يلزم بنشر العطاءات، وكان من واجب دائرة الاراضي اصدار عطاء حول الارض، الامر الذي كان سيكشف ما يحدث للعائلة. ولتجاوز هذا الامر تم اضافة بند لهذا الاتفاق بأثر رجعي يقضي باعفاء الاطراف من نشر العطاء في حال اصبح القانون ساري المفعول. القرار الاساس منذ 1992 بمنح الارض لـ «أمانة» بدون عطاء استند الى تعهد «أمانة» بنقل مكاتبها الى القدس. وبذلك يتم تشجيع العمل في العاصمة. ولكن الوثائق التي وقعت عليها «أمانة» تُبين أن عنوان الشركة كان في القدس في الأصل. واضافة الى ذلك كتب في صفحة الشركة في الانترنت أن «أمانة هي الشركة الاستيطانية الوحيدة التي عنوانها القدس». في العام 1997 قامت «أمانة» بتقديم خطة للبناء: مبنى مكون من اربعة طوابق وفيه 70 مكتبا. واثناء النقاش في اللجنة القطرية للتخطيط تم طرح موضوع العطاء فيما يتعلق بمصير الارض.»أوافق على أن يكون المبنى تابعا لدائرة اراضي اسرائيل، قم بفعل ما هو مناسب»، قال المهندس باسكوال برويد اثناء النقاش. ورغم معارضة الخطة، تمت المصادقة عليها، ولم تكن الارض بعد في يد الدولة ولم تتم المصادرة فعلياً. وفي دائرة اراضي اسرائيل لم يوقعوا على الخطة، حيث قدمت للجنة القطرية من غير توقيع أصحاب الارض حسب القانون. وقد توجه الموظف في اللجنة القطرية مرتين لمهندس الخطة وطلب الحصول على توقيع اصحاب الارض، ولم تتم الاستجابة لطلبه. وفي نهاية المطاف وصلت رسالة من موظف رفيع المستوى في دائرة اراضي اسرائيل، ابراهام ناوي، جاء فيها أن «الارض مشمولة في الاراضي الخاضعة للمصادرة». وفي رسالة الاستئناف للمحكمة العليا كتب بيرمان أن هذا «نص عام جعل موظفي اللجنة القطرية يعتقدون أن الارض هي ملك للدولة». نجحت الخدعة، وصادقت اللجنة القطرية على الخطة بناء على الرسالة. وبعد المصادقة حصل اصحاب الاراضي القريبة على بلاغات. ولم تحصل عائلة أبو طاعة نفسها على أي بلاغ. وسبب ذلك أنه ليس لها أرض قريبة. الاتفاق على دفع الثمن في العام 2005 تم التوقيع على اتفاق بين الدولة و»أمانة» حيث تعهدت الشركة بدفع مبلغ 913 ألف شيقل، وهي رسوم استخدام الأرض. إلا أن الارض بقيت حتى هذه المرحلة، رسميا على الأقل، باسم عائلة أبو طاعة. وعندما طلبت «أمانة» تسجيل الارض باسم الدولة، رفض الطلب من قبل مسجل الاراضي في اسرائيل. وفي هذه المرحلة تدخل ناوي مرة اخرى للمساعدة وقام بارسال رسالة جاء فيها أن الارض ستتم مصادرتها قريبا. كان يجب على الدولة في هذه المرحلة نشر بيان حول مصادرة 3 دونمات في قلب الشيخ جراح، ونشر سبب المصادرة الذي هو انشاء مكاتب لصالح المستوطنين. إلا أن أحدا ما فهم كما يبدو أنه توجد مشكلة. «كان من المفروض التفسير لوزير المالية لماذا يقومون بمصادرة هذه الارض. وهو بدوره كان سيطرح سؤال لماذا هذه الارض بالتحديد؟ لماذا بالتحديد لـ «أمانة»؟»، قال بيرمان، «عندها خطرت ببالهم فكرة عبقرية». كانت الفكرة هي اعادة رسم الخرائط للاراضي في المنطقة، وشمل المنطقة في حوض أكبر على أمل ألا يلاحظ أحد ذلك. وبهذا ولدت خطة جديدة – 31337. تشمل المنطقة الجديدة مكاتب دار الحكومة والقيادة القطرية ومكاتب الامن الداخلي في الطرف الشمالي لطريق كلارمون غانو. ولكن هذه المنطقة تقطع الشارع وتشمل ايضا مثلثا صغيرا مكونا من ثلاث دونمات، التي هي ملك لعائلة أبو طاعة في جنوب الشارع. منطقة «أمانة» كانت المنطقة الاسرائيلية الوحيدة في الحي الذي يشمل مستشفيين وعيادة صحية للجمهور الفلسطيني ومنازل عربية. لم تنفِ الدولة ادعاءات المحامي بيرمان أن الخريطة وهمية. وبدل ذلك لم تقدم الدولة أي بلاغ. في العام 2009 قام وزير المالية في حينه، يوفال شتاينيتس، بالمصادقة على مصادرة الاراضي. وأعلن بيرمان عن مصادقة شتاينيتس في العام 2012. ومنذئذ يحاول بيرمان الحصول على التفسير الذي أعطي لوزير المالية اثناء المصادرة. يدور الحديث عن وثيقة رسمية، إلا أن سلطة اراضي اسرائيل ووزارة المالية تجدان صعوبة في الحصول على هذه الوثيقة. والتوجه لمراقب الدولة في هذا الامر لم يأت بنتيجة. «توجد لوزير المالية اعتباراته عند المصادرة من اجل احتياجات الجمهور»، قال بيرمان، «ولكن مكاتب أمانة ليست حاجة عامة. لا شك أن وزير المالية لم يعرف أنه يقوم بمصادرة ارض من اجل أمانة. وإلا فلماذا يقومون باخفاء رسالة الأسباب؟». المحامي بيرمان ليس الجسم الاول الذي يخطر بالبال عند التفكير بشخص يقف الى جانب عائلة فلسطينية تناضل ضد المصادرة. هو قاض عسكري في الاحتياط، وفي سيرته القانونية يقف دائما في الطرف الثاني من المتراس كمن يدافع عن الدولة في مواجهة ادعاءات الفلسطينيين حول المصادرات. «لستُ ضد مصادرة الاراضي، لكن في هذه الحالة تم تجاوز القانون، حيث استخدم اشخاص في دائرة الاراضي نفوذهم بشكل غير مناسب لمساعدة جسم سياسي مقرب»، قال بيرمان. يستمرون في البناء قبل نصف سنة وصل مقاول من «أمانة» وبدأ بانشاء جدار حول الارض. عندها اكتشف محمد أبو طاعة أن المنطقة لم تعد له. «طوال حياتي كنت أعلم أن هذه الارض ملكي»، قال أبو طاعة لصحيفة «هآرتس»، «عندما أرادت والدتي الحصول على منحة من التأمين الوطني قالوا لها إنها لن تحصل عليها لأنه توجد لنا أرض». وقبل شهرين رفضت المحكمة المركزية في القدس دعوى أبو طاعة. وقال القاضي ارنون درال: صحيح أنه توجد اخلالات في المصادقة على الخطة، لكنه قرر أن هذه الاخلالات لا تبرر الغاء الخطة بسبب الضرر الذي سينشأ. وسمح لـ «أمانة» بالاستمرار في البناء. حسب اقوال أبو طاعة فقد جاء اليه اشخاص واقترحوا عليه التعويض مقابل التنازل عن الارض، لكنه رفض. «لماذا محظور علينا البناء ولهم مسموح؟»، سأل، «إنهم ليسوا اصحاب الارض بل أنا، لا توجد عدالة». حغيت عفران، من حركة «سلام الآن»، وهي تتابع نشاط المستوطنات، لا تتفاجأ لأن «أمانة تختص في البناء غير القانوني على اراضي مسروقة. وهي ستقوم ببناء مستوطنتها الجديدة في القدس على اراض خاصة. الخطر هو أن «أمانة» تحولت الى منظمة لها دولة – حيث إن الحكومة تقوم بتنفيذ العمل القذر من اجل تحويل ارض فلسطينية خاصة الى المقر الرئيس لمنظمة مستوطنين في حي فلسطيني. في البدء أعفوا أمانة من العطاء، وبعد ذلك صادقوا على الخطة دون أن تكون لها ملكية على الارض. وفي السياق صادق وزير المالية على المصادرة بأثر رجعي. والآن تستمر الدولة والمحكمة في الدفاع عن المستوطنة غير القانونية بدل أن تقوم بإصلاح الامر وارجاع الارض لاصحابها». وجاء من دائرة اراضي اسرائيل أن المحامي الذي يمثل «أمانة»، ايتان غيفع، لم يصدر أي رد.