قبل أيام تم انتخاب الطيب البكوش أميناً عاماً جديداً للاتحاد المغاربي خلفاً للحبيب بن يحيى، خلال انعقاد الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس وزراء الخارجية لدول الاتحاد بتونس، التي شكلت فرصة لتدارس الإشكالات والمخاطر التي تواجه دول الاتحاد والمنطقة في المرحلة الراهنة، وسبل تطوير أداء الاتحاد في عالم متغير.
ويبدو أن هذا الاتحاد لم يراوح بعد مكانه، ولم تتبلور بعد الإرادة السياسية الكفيلة بتطويره ليكون في حجم طموح شعوب المنطقة وتطلعاتها.
ففي الوقت الذي حققت فيه مجموعة من الدول إنجازات اقتصادية واجتماعية وسياسية.. في إطار تكتلات قوية، في كل من أوروبا (الاتحاد الأوروبي) وأمريكا الجنوبية (الأنديز) وآسيا (النمور الآسيوية)، فإن الدول المغاربية وعلى الرغم من الإمكانات المتاحة في جوانبها الثقافية والاجتماعية والتاريخية والكفاح المشترك ضد الاستعمار، والإمكانات البشرية والطبيعية والموقع الاستراتيجي.. فشلت في بناء تنظيم إقليمي قوي، قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ما يجعلها ضمن أكثر النظم الإقليمية عرضة للتأثر السلبي بالتحولات الدولية الحاصلة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري.
تشير مختلف التقارير والدراسات إلى أن العوامل التي تقف خلف جمود الاتحاد متعددة؛ وعلى رأسها غياب إطار قانوني ومؤسساتي منفتح وديمقراطي يؤطر عمل الاتحاد.
يجد هاجس البناء المغاربي أساسه في حلم الأجداد الذين سعوا إلى وضع المرتكزات الأولى لوحدة مغاربية في منتصف القرن الماضي (سنة 1947) خلال اجتماع ضم عدداً من قادة المقاومة المغاربيين في القاهرة؛ وتعززت هذه المحاولات باللقاء المهم الذي انعقد بمدينة طنجة (شمالي المغرب) سنة 1958 وضم عدداً من الأحزاب الوطنية المغاربية (جبهة التحرير الوطني الجزائري، الحزب الحر الدستوري من تونس وحزب الاستقلال من المغرب) ، وشكّل مناسبة لرسم الأسس والمبادئ الأولى لبناء الاتحاد؛ ما مهّد الطريق لإحداث اللجنة الاستشارية للمغرب العربي سنة 1964 التي حرصت على إعداد الأجواء المناسبة لتحقيق الوحدة والاندماج في مختلف المجالات، قبل أن تتعزز هذه الخطوات بإبرام معاهدة الاتحاد المغاربي بتاريخ 17 فبراير من سنة 1989 بمراكش.
ومنذ ذلك الحين شهد مسار الاتحاد مداً وجزراً، تحكمت فيه طبيعة العلاقات القائمة بين مختلف أعضائه التي تنوّعت بين التناغم تارة والتوتر تارة أخرى إثر خلافات عابرة أو تاريخية، بالإضافة إلى الإكراهات والتحديات التي طالما فرضها الواقع الدولي المتحول.
رافق هذا التأسيس آمال وانتظارات واسعة في أوساط الشعوب المغاربية، باتجاه تحقيق الوحدة والاندماج، وتجاوز مختلف الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية التي ترزح فيها أقطار المنطقة.
وبعد مرور زهاء ثلاثة عقود على توقيع معاهدة مراكش، جاءت الحصيلة هزيلة بل وصادمة؛ بفعل الجمود المؤسساتي والسياسي للاتحاد وعدم تفعيل مختلف الاتفاقات المبرمة؛ أو اتخاذ مبادرات شجاعة على طريق تحقيق الوحدة والاندماج.
فعلاوة على عامل الإرث الاستعماري الذي تمخضت عنه مشاكل حدودية بين دول الاتحاد، وتداعيات قضية الصحراء المغربية، ثم غياب مشروع اقتصادي مغاربي واضح المعالم، دخلت بعض دول الاتحاد في أزمات سياسية داخلية أثرت في استقرارها (الجزائر في بداية التسعينات من القرن المنصرم، وموريتانيا إبان حدوث عدد من الانقلابات السياسية..).
وعلى الرغم من هذه الإكراهات، فإن الظرفية المحلية والإقليمية والدولية الراهنة أصبحت تفرض التكتل، ويبدو أن هناك مجموعة من العوامل المحفزة على تفعيل الاتحاد والتعجيل بتحقيق الاندماج بين أعضائه، فعلاوة على المقومات المختلفة الداعمة لهذا البناء.. تواجه منطقة المغرب العربي مجموعة من التحديات الداخلية (تحقيق التنمية..) والخارجية (مواجهة الإرهاب الدولي، والهجرة السرية، والتلوث البيئي، والتعاون الندّي مع دول الاتحاد الأوربي..) التي تجعل من خيار الاندماج ضرورة ملحة.
على عكس بعض التجمعات الإقليمية التي استثمرت التحولات الدولية لصالحها ونجحت في جلب عدد من الرساميل الاستثمارية إلى منطقتها، فإن جمود الاتحاد حرم الدول المغاربية وشعوبها من الاستفادة من مختلف الاستثمارات الدولية التي تعد مدخلا للقضاء على عدد من الإكراهات الاجتماعية. وتظهر بعض الإحصاءات أن الدول المغاربية تخسر ما يعادل نحو 2 في المئة من ناتجها القومي الإجمالي سنوياً، بسبب استمرار هذا الجمود.
فالممارسة الديمقراطية هي التي دفعت بمجمل الدول الأوروبية إلى نبذ خلافاتها التاريخية المتراكمة، واستحضار مصالح شعوبها الاستراتيجية لتجعل من الاتحاد الأوروبي نموذجاً رائداً في الاندماج والوحدة.
وتؤكد مسيرة هذا الاتحاد أنه استفاد في تطوره من الأجواء الديمقراطية التي شهدتها مختلف الأقطار الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، قبل أن يسهم من جانبه في تعزيز المسلسل الديمقراطي في مناطق عدة من أوروبا الغربية والشرقية، وبخاصة أن الانضمام إلى هذا الاتحاد يظل مشروطاً بإعمال مجموعة من الإصلاحات والتدابير الاقتصادية والسياسية.
إن المركزية في اتخاذ القرارات التي تطبع ممارسة السلطة داخل الأقطار المغاربية، هي نفسها التي حرص مؤسسو الاتحاد على تكريسها ضمن معاهدة مراكش المنشئة له، فالمادة السادسة منها تؤكد أن: «لمجلس الرئاسة وحده سلطة اتخاذ القرار، وتصدر قراراته بإجماع أعضائه».
وأمام اعتماد آلية الإجماع في اتخاذ القرارات الحاسمة، وتركيز مختلف الصلاحيات الحاسمة في يد مجلس الرئاسة، وعدم تمكين بقية الأجهزة الأخرى من قبيل مجلس وزراء الخارجية أو مجلس الشورى.. من صلاحيات وازنة، ظل الاتحاد جامداً يعكس رتابة المشهد السياسي في بعض دول الاتحاد.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف