- تصنيف المقال : الجالية الثقافي
- تاريخ المقال : 2016-05-15
إذا كانت بعض الأفلام والأحداث الشرق أوسطية نقلت خبريات العنف والخوف من الإرهاب إلى قلب مدينة كان، التي كانت تفضل طبعاً الاحتفال بعيدها السينمائي بعيداً من منغّصات السياسة وشؤونها اليومية، فإن اليوم الثاني للعروض لم ينقض إلا وكان الإنكليزي المخضرم كين لوتش نقل إلى المهرجان شيئاً من بؤس العالم، ليس هذه المرة، كما يتجلى في البلدان البائسة والمتخلفة التي اعتادت السينما أن تعبر عن فقر أهلها ومآسيهم، بل كما يتجلى هناك في العالم المرفه الغني، وتحديداً في بريطانيا ومدينة نيوكاسل، التي لطالما عبّرت السينما عن بؤس «الآخرين» الغرباء فيها من دون أن تلتفت إلى أحوال فئات أكثر بؤساً من السكان المحليين.
لوتش الثمانيني الذي يلقّب عادة بـ «آخر الفنانين اليساريين المحترمين» في العالم، آثر هذه المرة، وبعد خمسين عاماً من فيلم بداياته «كاتي عودي إلى البيت»، أن يتطرق إلى الموضوع نفسه في جديده «أنا دانيال بليك» المعروض في المسابقة الرسمية لـ «كان»، مقدماً صورة شديدة السواد للوضع الاجتماعي في بلده. ولربما يكون هذا الفيلم وصية أخيرة من هذا المبدع الذي لم يتوقف عن طرح القضايا الإنسانية بأسلوب سينمائي ازداد قتامة بدرجات هذه المرة.
يتحدث الفيلم عن المشكلات الإدارية والقانونية التي تنطرح أمام عامل خمسيني يصاب بحادث عمل تصعب عليه بعده العودة إلى وظيفته نتيجةَ القوانين الإدارية التي تستهلكه تماماً حتى تدمره في اللحظات الأخيرة فيما هو يصارع إدارة إن لم تعبر، كما في حال الدول البائسة والفقيرة، عن الافتقار إلى الدولة، تعبر هنا في الحالة الإنكليزية عن المغالاة في وجود الدولة ونظمها التي يصبح فيها الإنسان آلة تُرمى حين تصاب بالعطب. تلكم هي حال دانيال، لكنه ليس وحيداً، فهناك أيضاً كاتي، التي تعاني وطفلاها من الإدارة ذاتها. ولئن كانت مشكلة دانيال تُحل بموته، فإن مشكلة كاتي لا تحل إلا بتحولها فتاة هوى... مصيران ترسمهما كاميرا كين لوتش في لغة سينمائية مباشرة وسياق غاضب، كما لو أن ما يرصدهما كاميرا وثائقية لا تريد المساومة لمصلحة أي شكل فني يلهي المتفرج عن الموضوع الأساس، كاميرا تحبس أنفاس هذا المتفرج وتنقل إليه الحزن والغضب مجتمعين. عندما انتهى من تحقيق هذا الفيلم، وقبل أن يصل إلى «كان»، ألمح لوتش إلى أن «أنا دانيال بليك» سيكون فيلمه الأخير، ولو كان هذا صحيحاً، فستفقد سينما العالم صوتاً جريئاً دائم الغضب يعرف كيف يستخدم الفن السابع لخوض ثورة دائمة. كذلك سيحرمنا هذا الغياب من مشروع كثيراً ما تحدث عنه لوتش، يتعلق بفيلم كان يريده أن يكون وصية سياسية له، يرسم فيه ملامح تجربته منتقداً ما اعتراها في لحظات، من نزعة ستالينية.
مهما يكن من أمر، إذا كان شيء من الستالينية قد حضر في المهرجان من خلال فيلم «نيرودا» التشيلي، الذي قام غارسيا برنال ببطولته ويتحدث، بتوفيق متوسط، عن مرحلة من حياة الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا، حين كتب في المعتقل مجموعته الرائعة «النشيد الشامل»، فإن ستالين نفسه حضر كخبر سينمائي من خلال مشروع بدأ الإعداد له، بحيث ربما يعرض في «كان» المقبل إن أُنجز في الوقت المناسب، ويتناول بالتحديد ما حدث في ذلك اليوم من آذار (مارس) 1953، حين مات الزعيم السوفياتي الحديدي وبدأت على الفور في الكرملين الصراعات لخلافته، ولا سيما تحت مظلة نيكيتا خروتشيف الذي سيلعب دوره ستيف بوتشامي، وسط حشد من ممثلين عالميين... صحيح أن هذا الموضوع ليس جديداً على السينما، لكن أصحاب المشروع يؤكدون أن السيناريو سيحمل ما لا يمكن أحداً توقعه منذ الآن. ونحن ما علينا إلا أن ننتظر لنرى.
عن الحياة
عن الحياة