لم يسبق أن خدعت نفسي بأن اسحق هرتسوغ هو ايديولوجي كبير ومستعد للموت من اجل مبادئه. أذكره وهو يتحدث عن "زحف" شمعون بيريس الى حكومة الانفصال التابعة لارئيل شارون بتحفظ، وفيما بعد دخل بنفسه. أذكر كيف ألقى خطابا ناريا ضد قيادة ايهود باراك وبعد ذلك قام بتأييده في 2007 في ترشحه لرئاسة حزب العمل، وكيف "عارض" دخول باراك وحزب العمل الى ائتلاف نتنياهو في 2009 وسارع ليأخذ مقعدا في الصف الاول. ورغم ذلك اعتقدت دائما أنه سياسي معقول نسبيا، ليس فاسداً، وهو يريد ارضاء محيطه.
كيف تحول بوجي، الذي عرفناه، الى خرقة سياسية بالية، حيث يقوم نتنياهو من خلاله بانزال معسكر الوسط – اليسار على ركبتيه؟ كيف لم يعد يهتم بما يقوله عنه آلاف الاشخاص الذين صوتوا له؟.
إن هرتسوغ أقل ازعاجا من بعض اعضاء حزبه. للوهلة الاولى الجميع يعارضونه ويقولون إنهم لن يسمحوا له بالقيام بهذه الخطوة. وبشكل فعلي، لو كان نتنياهو مستعدا لتحسين اقتراحه المهين قليلا لكانت جبهة الرفض انهارت. ويحتمل أننا سنجد شيلي يحيموفيتش في معسكر المؤيدين وايتان كابل، الذي يعبر عن رفضه للخطوة بصعوبة، وبطلا خفيا آخر يُقال إنه نزيه وجوهري، هو آفي نيسان كورن، رئيس الهستدروت، الذي يلقي بثقله من اجل الدخول الى الحكومة بذريعة خشيته من أن الانتخابات التمهيدية الآن في حزب العمل ستضر بفرص انتخابه لرئاسة الهستدروت.
ماذا يعني "تحسين بسيط"؟ اليكم عددا من الامور تسمى في الحزب "لا توجد لنا أي فرصة لاستبدال بيبي" و "مثل محطمي التوازن": لنقل إن نتنياهو مستعد لمنح حزب العمل حقيبة وزارة العدل بدل وزارة الاقتصاد (هل هناك أحد يصدق أن نفتالي بينيت سيغادر الحكومة بسبب ذلك؟). واو، يقولون في الحزب، إن هذا تغيير كبير، لحظة، لحظة، يوجد ايضا "محطم توازن" محتمل آخر. لنتخيل أن نتنياهو يوافق على التلفظ بموضوع صيغة الغاز – "يقيم لجنة تعيد فحص الامر ويكون فيها عضو عن حزب العمل". ما هذا الانجاز؟ هناك ما نتحدث عنه، حيث بدأت تختفي "الهاوية" التي كانت تفصل بين الاحزاب.
وهناك محطم توازن ثالث. لنتخيل أن الملك نتنياهو مستعد ليجد داخله شيئا من الرأفة وصياغة صيغة التفافية حول العملية السياسية ويرمز بشكل ما الى تجميد البناء في المستوطنات – "أنا أعود وأطلب من أبو مازن استئناف المفاوضات وأنا على استعداد لكبح موضوع البناء بشكل مؤقت في جزء من يهودا والسامرة لخلق الأجواء الملائمة للمفاوضات" – حينها ستصبح هذه حكومة وحدة وطنية حقيقية. شراكة في قيادة الدولة. يد على المقود وليس هناك حاجة الى أكثر من ذلك، والجميع سيتحولون خلال لحظة الى جنود في جيش الكذب التابع لنتنياهو.
يبعث هذا الامر على الانكسار. يحيموفيتش رفضت اقتراح الانضمام مع باراك الى حكومة نتنياهو. وقد أعلنت في انتخابات 2013 أنها لن تنضم في أي حال من الاحوال الى ائتلاف نتنياهو. ورغم جميع الاغراءات قامت بتنفيذ وعدها. لماذا الآن، وهي في ذروة سمعتها السياسية وبعد قانون أجر الموظفين رفيعي المستوى واعاقة صيغة الغاز، هي مستعدة للمشاركة في هذه اللعبة؟ لقد ترك كابل بشكل جريء حكومة ايهود اولمرت احتجاجا على طريقة ادارة حرب لبنان الثانية. كم يجب أن يكون اليأس عميقا لديه من امكانية تغيير الحكم، حتى يكون مستعدا للمشاركة في هذه القذارة؟ الى أي هوة سحيقة من عدم الأمن يجب أن يتدهوروا من اجل رفع العلم الابيض؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف