ربع قرن فترة كافية لنطوي معها صفحة المفاوضات الفاشلة
كل المشاريع من أوسلو حتى الآن أثبتت فشلها، ما يفترض العودة إلى البرنامج الوطني الموحد، برنامج كل الشعب الفلسطيني.
■ هل وصلت القضية الفلسطينية إلى نهاية مرحلة أغلقت معها عدادات مشاريع الحلول التي كانت قد طرحت على طاولة البحث؟ وهل باتت القضية بحاجة لمراجعة أعمق، وصولاً إلى فتح الأفق لمرحلة جديدة تستند إلى حلول بديلة لتلك الحلول البائد، والتي أصبحت مجرد ذكريات بائسة لا تحمل في طياتها أي أمل بمستقبل بديل للحالة الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
ربع قرن للدوران في المكان، شهدت فيه القضية الفلسطينية محطات ومحطات، مؤتمرات ومفاوضات علنية، ومفاوضات سرية، ولقاءات علنية، ولقاءات سرية، ووثائق تم الإعلان عنها، وأخرى أخفاها المفاوض الفلسطيني [لغاية في نفسه] عن أصحاب القضية وأبنائها. ومازالت الأمور تزداد إنحداراً، والقضية تزداد تعقيداً، ومازالت الرهانات تقوم على الأوهام، تستجدي وهماً من هنا، ووهماً من هناك، على أمل أن تشكل هذه الأوهام مدخلاً إلى حل بديل، تثبت الوقائع أنه لن يتجاوز حدود الوهم الذي نتج عنه أساساً.
الصورة المشهدية للحالة الفلسطينية واضحة للعيان:
• إنقسام مدمر بين الضفة والقطاع، فشلت مبادرات وحوارات ولقاءات في وضع حّد له. ومازال يتعمق يوماً بعد يوم، ومازال الطرفان يتبادلان الشروط مقابل الشروط وصولاً للحل، وهي في معظمها شروط لتلبية مطالب ومصالح فئوية. ولعل حفلة الردح الإعلامي، التي لم تغب عن المواقع الإلكترونية والصحافة الفلسطينية، بين الطرفين في اليومين الأخيرين، تؤكد لنا أن المسافة التي تفصل بينهما أكبر بكثير من إحتمالات العودة إلى الوحدة الداخلية. إحتراب إعلامي يتجاهل فيه الطرفان خطورة الحالة التي تعيشها القضية الوطنية.
• مشاريع إستيطان، وضم، وهيمنة تتلوها مشاريع، وكلها تطمح وتعمل على ضم أوسع الأراضي لدولة إسرائيل، إن في «غلاف القدس» أو في أنحاء الضفة الفلسطينية، بما في ذلك مشاريع قوانين في الكنيست، وفي وزارة العدل الإسرائيلية لضم مالا يقل عن 60% من مساحة الضفة كحد أدنى.
• رفد الحكومة الإسرائيلية بضم ليبرمان، أي ما معناه خطوة إضافية نحو اليمين المتطرف، حتى أن البعض تهكم على هذه الخريطة الجديدة في حكومة إسرائيل، ليعتبر أن نتنياهو هو «المعتدل» الوحيد في «الحكومة المصغرة»، [الكابنيت] مقارنة بليبرمان وبنيت وغيرهما من أقطاب اليمين المتطرف وممثلي المستوطنين في الحكومة الإسرائيلية، هذا الرفد للحكومة له معناه السياسي، كما يقول المراقبون، وهدفه تعطيل أية مبادرة سياسية للحل، إن كانت من القاهرة، على لسان الرئيس السيسي، أو كانت من باريس، كما يحملها في جعبته رئيس الوزراء الفرنسي فالس.
• إنسداد سياسي مازال مستمراً منذ نهاية العام 2005، أي منذ إعادة إنتشار الجيش الإسرائيلي في محيط قطاع غزة. وكل المفاوضات ومشاريع الحلول التي طرحت خلال هذه الفترة وصلت إلى الطريق المسدود، ولم تنتج شيئاً، بما في ذلك مؤتمر أنابوليس، الذي إنتهى بمجازر إسرائيلية في غزة، ومفاوضات «الإستكشاف» و «التقارب» وغيرها من الخزعبلات السياسية، والتي كان المفاوض الفلسطيني يعدنا، أنه على ضوء نتيجة كل منها سوف يتخذه قرار الحاسم في طي صفحة المفاوضات والتحرر والتحلل من أية إلتزامات نحو إسرائيل. ومازلنا نستمع لهذه النغمة حتى الآن، دون خطوة واحدة إلى الأمام في هذه الإتجاه، بل إصرار، ثم المزيد من التهافت على أية سيناريوهات تقود إلى إستئناف المفاوضات، دون السؤال عن مضمون هذه المفاوضات وأسسها وآلياتها ومرجعيتها وسقفها الزمني وجدول أعمالها. ما يشي بحالة من الإفلاس السياسي يحاول المفاوض الفلسطيني، أن يتستر عليها.
* * *
• إتفاق أوسلو، رغم كل ما وفره لإسرائيل من مكاسب، تحول على يد حكومة نتنياهو إلى خرقة بالية، تتصرف في المناطق المحتلة وفقاً لأهوائها دون أي إعتبار لما يسمى بالسلطة الفلسطينية. تحولت السلطة الفلسطينية على يد الحكومة الإسرائيلية إلى مجرد مهزلة سياسية. آخر ما وصلنا, يقول إن وزيرة الإقتصاد في السلطة تجري مباحثات مع الجانب الأميركي ليقنع الإسرائيليين بالإلتزام بيروتوكول باريس الإقتصادي، أين هذا، من قرار المجلس المركزي الـ 27 في قطع العلاقات الإقتصادية مع إسرائيل.
• خطة خارطة الطريق، وحتى قبل أن تولد, أفرغها شارون من محتواها بتحفظاته الـ 14، والتي صادق له عليها الرئيس السابق بوش الإبن. وتحولت خطة خارطة الطريق إلى جثة هامدة، يفسرها الإسرائيلي كما يريد، وفي كل مرة، يصبح المطلوب، وفقاً لهذا التفسير، تنازل فلسطيني جديد، حتى يصبح مسار التنازلات بلا قعر.
• مشروع حل الدولتين الأميركي تحول هو الآخر إلى مجرد شعار، وفي التفاصيل يتبين أنه يحمل في طياته توسيعاً لإسرائيل ومكافأة على إحتلالها للأرض الفلسطينية، وتقليصاً لمساحة الدولة الفلسطينية، إلى الحدود التي لا تجعل منها دولة «قابلة للحياة»، بحيث تبقى مرتبطة إقتصادياً وأمنياً، وبالتالي خاضعة سياسياً، لإسرائيل، أو في إطار تعاون إسرائيلي إقليمي يكون الأردن أحد طرفيه وفقاً لرؤية نتنياهو التي بدأ يفصح عنها مواربة.
• المبادرة العربية للسلام، تكاد تتحول، بعد طول سبات، إلى «مبادرة جديدة» تقوم على المباشرة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حتى قبل الوصول إلى حل مع الجانب الفلسطيني، بذريعة أن هذا من شأنه أن يوفر ضمانات عربية لإسرائيل تضمن أمنها، بما في ذلك أمنها «الديمغرافي»، أي شطب واضح وصريح لحق اللاجئين في العودة إلى مناطق الـ48.
• أما المشروع الفرنسي كما يروج له رئيس الوزراء فالس فإن عناوينه تؤكد حقيقة الشكوك حول «عدالته». فهو لا يحمل أية ضمانات للفلسطينيين، بقدر ما يحمل تأكيداً «لهوية إسرائيل» كدولة يهودية، ورفض الإنسحاب من القدس [مدينة واحدة لدولتين!]، ورفض الإنسحاب حتى حدود 4 حزيران [تبادل الأرض وضم المستوطنات] وفي كل الأحوال، إن أي فشل بالمفاوضات تحت سقف المبادرة الفرنسية لن يلحق أي ضرر بإسرائيل بل سوف توفر لها هذه المفاوضات سقفاً سياسياً جديداً للتغول أكثر فأكثر في بطشها وإستبدادها وفي إبتلاعها للأرض الفلسطينية وإستجلاب المزيد من المستوطنين إلى القدس وأنحاء الضفة الفلسطينية، وتعميق حالة التبعية الفلسطينية لإسرائيل، وتعميق حالة التعفن السياسي الفلسطيني.
* * *
ما من شيء ينبئ بأن الإنفراج السياسي قادم على يد المبادرات السياسية التي يبدو هزالها يوماً بعد يوم.
وكل شيء يقول إننا بتنا، منذ فترة غير قصيرة، في نهاية مرحلة، دعا بشأنها المجلس المركزي الـ27 إلى طي صفحتها، وطي صفحة ما أنتجته من مفاوضات، وطي صفحة السياسات العبثية والبائسة الرسمية. وآن الأوان للفتح على صفحة جديدة، وتشريع الأبواب أمام مرحلة سياسية جديدة تستعيد البرنامج الوطني الفلسطيني الموحِّد والموحَّد، الذي يعيد، تحت رايته، توحيد الحقوق الوطنية الفلسطينية وإعادة تظهير وحدة الشعب، في الـ 48 والـ67 والشتات. وواحد من علامات هذا البرنامج الإنتفاضة الشبابية، التي تمر الآن بمرحلة صعبة، يتطلب من القوى الوطنية الفلسطينية إعادة تجميع صفوفها، ومد هذه الإنتفاضة بالزخم المطلوب الذي يعيدها إلى واجهة الأحداث. ولعل ذكرى هزيمة حزيران (يونيو) 67، بكل ما فيها من دروس وعبر، ستشكل المحطة للإنطلاقة الجديدة للإنتفاضة الشبابية ■

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف