ليس واضحاً إذا كان رئيس الوزراء نتنياهو توقع ردود الفعل القاسية على تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع. فالرواية في وسائل الإعلام الإسرائيلية وفي أجزاء من الساحة السياسية كانت واضحة: استبدال بوغي يعلون بإيفات ليبرمان هو تطرف في طبيعة الحكومة وساستها، بالذات في فترة يتعين فيها التصرف مع العالم العربي بحذر واعتدال. وقد صدح الفلسطينيون بهذه الرسالة في سلسلة من التصريحات الرامية إلى نزع الشرعية عن وزير الدفاع المرشح، قبل أن يدخل هذا الكريا لأول مرة بمنصبه الجديد. غير أنه لشدة العجب، وبالذات من جهة الدول العربية ساد صمت. مصر، الأردن والقوة الصاعدة في دول الخليج – اتحاد الإمارات، والتي لا تخشى انتقاد القدس بكلمات فظة وحادة عندما تريد، اختارت ألا ترد علناً على تعيين ليبرمان. من يعرف العالم العربي يعرف كم هو هذا الصمت شديد المعنى. في عصر العلاقات السرية لإسرائيل مع الدول العربية، العصر الذي لا يتميز بالصور في ساحات البيت الأبيض، تفضل الأنظمة المعتدلة في المنطقة أن تسود في إسرائيل محافل ابداعية وهائلة، يمكن إجراء حوار معها بعيداً عن ضوء الكاميرات. ليبرمان كفيل بأن يتبين بأنه الرجل السليم بالنسبة لهم. كما أن التصريحات من جهة ليبرمان تفيد بأنه يفهم فضله النسبي. معقول الافتراض بأن في الفترة القريبة القادمة سنسمع منه تعابير متلونة ومتفجرة اقل، أما العمل الحقيقي فسيتم من خلف الكواليس. هذه أنباء سيئة لوسائل الإعلام، ولكن ليس بالضرورة للدولة. براغماتي ولكن حازم هذه لن تكون الجولة الأولى في العلاقات الهادئة بين ليبرمان والزعماء العرب. في 2014 نشرت المدونة السياسية تل شنايدر بأن أفيغدور ليبرمان التقى بمحفل من قطر؛ وهدد ليبرمان من جهته برفع دعوى ضد شنايدر إذا لم تنشر نفياً. وتوقع ليبرمان بأن تبقى اللقاءات التي يجريها سرية، ولعل شنايدر أخطأت في تشخيص المحفل الذي التقى به، ولكنها لم تخطئ من حيث المبدأ – لدى وزير الدفاع الجديد في جعبته لقاءات مع زعماء عرب اكثر مما يعرف الجمهور في إسرائيل. ولا بد أن ليبرمان يعرف بان العرب الذين التقى بهم يتوقعون منه المصداقية والسرية، وهو يحذر جدا من التسريب، وبالتأكيد ألا يذكر مضمون الأحاديث. وعليه فقد كان يتوجب عليه أن ينفي ما نشر. من هذه الناحية، فإن وزارة الدفاع تتناسب وكفاءات ليبرمان افضل بكثير مما هي وزارة الخارجية. فليبرمان ليس رجل إعلام فاخر جدا، ولكنه ينجح في خلق علاقات عمل حميمية مع الناس الذين يلتقي بهم. فهو يعرف كيف يعمل سرا عند الحاجة، ولا مشكلة له في أن يناور على الإعلام، والحفاظ على صورة يمينية بينما يقود خطوات براغماتية (والعكس أيضا) – وكل ذلك وفقا للظروف والاحتياجات السياسية. من يقلق بالتأكيد من تعيين ليبرمان هم الفلسطينيون. فنية استبدال بوغي بليبرمان أمسكت محمود عباس وهو غير مستعد وهذا يقض مضاجعه منذئذ. وكما هو معروف، فإن لليبرمان توجد قناة إلى محمد دحلان، الخصم اللدود للرئيس الفلسطيني، وإلى مضيفيه في الخليج الفارسي. من ناحية أبو مازن، تعيين ليبرمان ليس نتيجة الخطوات السياسية في إسرائيل بل جزء من المؤامرة عليه. محفل فلسطيني آخر ليس راضيا عن تعيين ليبرمان هو محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحماس. ففي حديث مشحون مع صحافيين في غزة، وصف الزهار ليبرمان بـ «الجبان» و»البطل في الإعلام فقط» وأشار إلى أن «تصريحاته هي فقط لبيع الصحف وللأغراض الإعلامية والحزبية. هذه التصريحات، في الفترة التي توجد فيها حماس في أزمة عميقة، تذكر اكثر من أي شيء آخر بالملاحظة الأسطورية لموشيه سنيه: «حجة ضعيفة، ارفع الصوت». بين غزة ومصر في المؤتمر الصحافي بمناسبة التوقيع على الاتفاق الائتلافي وعد ليبرمان بانه اجتاز عملية جراحية «لإطالة فتيلي القصير». ولكن من الخطأ الاعتقاد بأنه في إطار تلك العملية الجراحية اتسعت أيضا قدرة الاحتواء. لقد بنى ليبرمان صورته العامة في السنوات الأخيرة على انتقاد السياسة الإسرائيلية تجاه غزة، ولا سيما عدم الرد في حالات خرق الهدوء. لا شك في أن وزير الدفاع سيكون من الآن فصاعدا محفلا مهما في السعي إلى رد دراماتيكي على حماس، وليس فقط للحفاظ على صورة مصداقة في نظر الجمهور، الذي يتذكر تصريحاته جيدا. ليبرمان هو مؤيد للتهديدات فقط في الحالات التي يوجد فيها استعداد حقيقي للتنفيذ. وعليه فمعقول الافتراض بأننا سنرى انخفاضا كبيرا في حجم التقديرات التي ستخرج من الجيش الإسرائيلي والناطقين بلسانه حول السياسة تجاه «حماس» أو تأثيراتها عليه. من انتظر سنة كاملة كي يدخل وزارة الدفاع سيفضل ألا يقدم تفسيرات ملتوية بل وضع خط احمر؛ وبما يتناسب مع ذلك، فإن أيام الصيغة التي تسمح لـ»حماس» بتنفيس الضغط بإطلاق النار بين الحين والآخر كفيلة بأن تكون معدودة. الاختبار الثاني لليبرمان سيكون مختلفا جوهريا. فقوله الشهير عن سد أسوان اقتبس مرة أخرى هذا الأسبوع في كل وسائل الإعلام في العالم، وفي أحيان قريبة في ظل إخراجه عن سياقه. الرئيس السيسي، الحليف الأهم لإسرائيل في هذه اللحظة، قد يكون أمل في أن يرى بوجي هرتسوغ في الحكومة، ولكن له مصلحة حقيقية في توثيق العلاقات مع إسرائيل. قد يكون أمل في أن يفعل هذا مع حكومة وحدة، ولكنه يشخص ربحا أيضا من تعيين ليبرمان، ولا سيما في عصر يشكل فيه قطاع غزة خلفية لوجستية لحركات الجهاد التي تعمل في شبه جزيرة سيناء ضد مصر وجيشها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف