- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-11-25
لا نبالغ بالقول حين نؤكد أن الفلسطينيين، كلهم، تابعوا بإهتمام وشغف حوار القاهرة في 21/11/2017، لإتخاذ خطوات إضافية وعملية لإتمام عملية المصالحة، وإنهاء الإنقسام، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية المدمرة، وتجديد شرعية ما هو قائم منها يعمل بآليات منقوصة، تفتقر إلى الغطاء القانوني في بعض الأحيان، ما يفتح الباب للتشكيك بالعديد من القرارات والقوانين والمراسيم، خاصة حين تكون موضع خلاف سياسي، وذات تأثير على العلاقات الوطنية الداخلية، أو على السياسة العامة للسلطة أو م.ت.ف، أو تمس مصالح فئات من الفلسطينيين، كما حصل مع المعلمين، أو الموظفين العموميين، أو وضع قانون جائر للإعلام الرقمي، أو مطاردة أصحاب المدونات لكتم أصواتهم، في سياسة قمعية تجاوزت حدود القوانين القضائية المعتمدة في السلطة الفلسطينية نفسها. فضلاً عن حل مجموع القضايا الإجتماعية المزمنة في قطاع غزة، الذي عانى، خلال أكثر من عشر سنوات، من الحصار، والعدوان، والإنقسام، فقاسى ما قاساه، ودفع الثمن غالياً، بل وغالياً جداً.
كلنا تابعنا حوار القاهرة، بقلق مشروع، لأنه ليس المحطة الأولى التي تلتقي فيها الأطراف الفلسطينية (مجتمعة أو ثنائية) لبحث المصالحة وإنهاء الإنقسام. وليست هي المبادرة الأولى التي تشكل الأساس لطي صفحة الماضي وفتح صفحة المستقبل. فمحطة 4/5/2011 كانت واحدة من المحطات الرئيسية التي وضعت خطة عمل كاملة لإنهاء الإنقسام والمصالحة، والبدء بترتيب البيت الفلسطيني، إما بإعادة البناء حيث يلزم، أو بالترميم حيث يمكن الترميم. وبقي إتفاق 2011 سجيناً في الأدراج، بعده ولد إتفاق 2013، رسم قوانين وآليات إعادة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية وم.ت.ف (والتي إنتهت كلها ولاياتها ومازالت تمارس دورها بقوة الضرورة). وبقي الإتفاق حبيساً في الأدراج.
ثم ولد إتفاق الشاطئ (2014) وولدت تحت ظله حكومة الوفاق الوطني بإعتبارها أداة إنهاء الإنقسام، لكن في ظلها تفاقمت الأمور، وإزدادت تعقيداً، وصولاً إلى إحياء «حكومة أمر واقع» جديدة، في قطاع غزة، حين تشكلت اللجنة الإدارية بقرار من حماس، تقدمت بطلب الثقة (!) من كتلة حماس البرلمانية (في المجلس التشريعي المنتهية ولايته) فبدت اللجنة وكأنها إحياء لحكومة هنية التي أعلنت إنسحابها من إدارة القطاع بموجب إتفاق 2014.
لذلك ننظر بقلق إلى حوار القاهرة، وإلى ما سيسفر عنه، وإلى مدى إلتزام الطرفين المعنيين بشكل مباشر بالتطبيق (فتح وحماس) ليس من موقع التشكيك، بل من موقع الحرص على الإتفاق، وعلى نجاحه، وعلى تطويره، يطاردنا الخوف الذي تراكم من سلسلة الفشل التي رأيناها في أكثر من محطة(من غزة إلى الدوحة، إلى القاهرة، إلى مكة، إلى صنعاء، إلى الخرطوم..).
* *
من موقع الإلتزام الوطني، ومن موقع الشراكة في المسؤولية الوطنية كان لنا، منذ اللحظة الأولى للإنقسام، موقف واضح وصريح، ضد الإقتتال، وسفك الدماء، واللجوء إلى السلاح لحسم الخلافات. وموقف واضح ضد الإنقسام، ودعوة واضحة وصريحة للتراجع عنه فوراً، وإعادة ترتيب الأوضاع بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، ويتجاوز المصالح الفئوية المحدودة. ومن موقع المسؤولية، كنا نقف بين خطي النار، لنضع حداً للإقتتال، ولسفك الدماء الفلسطينية في غير مكانها. وكثيراً ما أطفأنا، بالتعاون مع باقي الفصائل، أو مع بعضها، نيران الإحتراب الكلامي، قبل أن تتحول إلى نيران مجبولة بدماء الضحايا الأبرياء. وفي السياق نفسه أطلقنا، منفردين، وبالتعاون مع قوى الفلسطينية وطنية وديمقراطية، سلسلة من المبادرات، التي تحولت سلاحاً بيد الحركة الشعبية، تطالب بوضع حد للإنقسام، وإستعادة الوحدة الداخلية. كما حولنا الشارع إلى أداة ضغط ديمقراطية، في سلسلة من التحركات. حتى داخل السجون، حولنا، مع قوى أخرى، الحركة الأسيرة إلى عنصر ضاغط على الطرفين للإستجابة لنداء الوحدة الوطنية. والأهم من هذا كله أننا وضعنا الإنقسام في مربعه الحقيقي، وسلطنا الأضواء على خلفياته المدمرة، وعلى مشاريعه المضمرة، وعلى مخاطره الداهمة، كما سلطنا الضوء، وبشدة، ودون تردد، على الأطراف والفئات المحلية، والإقليمية، والدولية، التي تعرقل المصالحة، وتعمق الإنقسام، إما في خدمة أجندات ومصالح محلية ونفوذ فئوي محدود، وإما في خدمة أجندة عربية وأميركية، دخلت على ملفاتها عناصر وقوى وأحزاب غير فلسطينية، أسهمت إلى حد كبير في تعميق الإنقسام، وإضعاف الحالة الفلسطينية وتشويه الوجه الفلسطيني، وتهميش القضية الوطنية الفلسطينية، بحيث صبّ كل هذا، في خدمة المشروع الصهيوني، وفي خدمة المشاريع البديلة للحل الوطني، وللحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في الإستقلال والحرية والسيادة والعودة وتقرير المصير.
* *
ممنوع الفشل..
فالفشل معناه أننا أطحنا بفرصة أتاحتها لنا الشقيقة مصر، وفرطنا بها. ومعناه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ومعناه إستعادة أجواء التوتر والإقتتال الدموي والإحتراب الإعلامي ومعناه أيضاً أننا رسمنا صورة لحالة فلسطينية عاجزة عن النهوض بمسؤولياتها الوطنية والقومية ولا تستحق أن يبذل لأجلها أي جهد أخوي أو صديق، عربي، أو دولي. ومعناه زرع الإحباط في صفوف الفلسطينيين، وتعزيز حالة اللايقين بجدارة من يملكون سلطة القرار، على الخطين، في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وتعزيز حالة الإنكفاء السلبية التي تبدو علاماتها نافرة في صفوف الرأي العام الفلسطيني، وهو يترقب ما يدور خلف الجدران.
ومعناه تشديد الحصار على البرنامج الوطني الفلسطيني. وتوسيع دائرة الإنفراج حول المشروع الصهيوني، وتوفير الظروف المؤاتية لطرح «صفقة القرن» من وراء ظهر الشعب الفلسطيني، والعمل على تمريرها بأشكال تطبيعية عربية ـــــــ إسرائيلية مختلفة.
لذلك ومن موقع المتنبه لخطورة الفشل، ولقطع الطريق على الفشل، كان لزوماً أن تتحمل الجبهة الديمقراطية ومعها القوى الوطنية والديمقراطية الفلسطينية الأخرى مسؤولياتها في القاهرة عبر تقديم الأفكار والرؤى والإقتراحات، ومشاريع الحلول للقضايا العالقة. إن بما يتعلق بحل القضايا المستعصية في الجانب الإجتماعي، لقطاع غزة، أو بما يتعلق بالجانب السياسي. في إدراك ووعي عميقين أن أساس المصالحة، وأن السبيل إلى قطع الطريق على كل أشكال الإنقسام، هو في الإتفاق على برنامج وطني على أساسه تبنى الإستراتيجية الوطنية للنضال الفلسطيني. في مقدمة هذا الأمر تعزيز دور المؤسسات، وتحويلها من مؤسسات للتجاذب الثنائي، كما كان عليه الحال في المجلس التشريعي الثاني، وكما كان عليه الحال في حكومة هنية الثانية، بين فتح وحماس إلى مؤسسات للشراكة الوطنية القائمة على أسس ديمقراطية، عبر إنتخابات شاملة، وفق قانون التمثيل النسبي الكامل، الذي يفتح الباب لأوسع شراكة وطنية، بما فيها إسهام الأطر والشخصيات المستقلة وفعاليات المجتمع المدني، في رسم هذه الشراكة وتعزيزها. كما يفتح الباب لدور الرقابة الشعبية أن يأخذ مداه، ويضع في الوقت نفسه حداً للثنائية القائمة على التجاذب والتنافر بين فتح وحماس، أو للتفرد والإستئثار، من قبل القيادة الرسمية الحالية، أو لتهميش الآخرين، بمن فيهم الحركة الشعبية صاحبة المصلحة الأولى في المصالحة، وإنهاء الإنقسام، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتوفير عناصر إنطلاقة جديدة للحالة الوطنية الفلسطينية، بإعتبارها حركة تحرر وطني، تعتمد الكفاح في الميدان، وخوض النضال في المحافل الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، بعيداً عن أوهام الحل عبر المفاوضات الثنائية بالرعاية الأميركية المنفردة، وبعيداً عن أوهام الوعود الأميركية الكاذبة، وآخرها الوعد بصفقة القرن.